تم نشر هذه القسم في ديسمبر 2013
 
 
 
 
 
 

( الرف الرابع )

 

 
 
 

 

 
 
 
 
 

إلى محمد حداد وهو يثير الاسئلة ويعيد تكرارها..

هل الموسيقى هي كتابك الذي قلت لنا خذوه بقوة؟

نحن نعرف بعد كتابك ان الموسيقى هي اليقين الوحيد،

وأنها تكفي فسحة لنا كأحد اهم أشكال الامل.

يا محمد لا تكف عن السؤال.. لا تكف أبداً.

حسن حداد

 

 
 
 
 

السينما تغني

الفيلم المصري من (بلاش تبوسني) إلى (خُد المقص وقص)!!

بقلم: طارق الشناوي

التهمت بشغف واعجاب كتاب الناقد البحريني الكبير الأستاذ حسن حداد، الذي يرصد الفيلم الغنائي في السينما المصرية، من خلال توثيق جاد ويقظ ومنصف، متحريا الدقة، لنتابع كل التفاصيل، المتعلقة بالفيلم، لا نقرا مجرد معلومة، بل نعيش ظلال الزمن بكل أبعاده الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بالمناسبة الأستاذ حسن بالنسبة لجيلنا هو أول ناقد فني يصبح عنوانا لكل ما هو جاد وجميل وشريف، يأتي إلينا من مملكة البحرين، العزيزة على قلوب كل المصريين.

السينما المصرية ينطبق عليها هذا التوصيف، نطقت لكي تغني، ولم تكتف بهذا القدر، بل سيطرت الروح الغنائية على الشريط السينمائي، حتى لو لعب بطولته ممثلين، يظل أقرب لحالة غنائية، وفي العادة يتم اختراع مواقف للبطلة أو البطل ليغني بلاي باك، او يقتنصون فرصة لتقديم أغنية أو رقصة، حتى لو كانت تتعارض مع المنطق الدرامي للحدث الذي نتابعه، لا شيء من الممكن أن يحول دون غناء الأبطال، (جينات) الفيلم المصري لو حللتها لوجدت نفسك أمام حالة غنائية أكثر من كونه حالة سينمائية.

الأسطوانة مهدت الانتشار للهجة المصرية، صار العرب من المحيط للخليج يتعاطون اللهجة عن طريق الاغنية، وهكذا عندما دخلت السينما، كان الجمهور العربي الذي استوعب وأحب الأسطوانات الغنائية لأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش واسمهان، ومن السهل جدا ان يتعاطى مع الفيلم الناطق باللهجة المصرية، ومن هنا كررنا هذا التعبير (وبالمناسبة لم أتأكد حتي كتابة هذه السطور من صحته)، إلا أنه يعطي لنا ملمحا لما كانت عليه السينما المصرية منذ ثلاثينيات القرن الماضي،  هكذا يكررون هذه المعلومة (السينما كانت هي المصدر الاقتصادي الثاني  لمصر بعد القطن). الجملة التي في مدلولها المباشر تعلي من شأن السينما، ولكن هل كانت مصر تصدر شيء أخر غير القطن ثم التحقت بالمعادلة الاقتصادية السينما، فلم نكن نصدر شيء اخر ولهذا احتلت السينما المركز الثاني، سألت المؤرخ السينمائي الكبير الأستاذ أحمد الحضري عن حقيقة هذه العبارة، أكد لي أنه نقلها حرفيا عن الفنان الكبير الرائد (يوسف بك وهبي)، واعتبرها صحيحة طالما رددها (يوسف بك)،  بطل أول فيلم ناطق في تاريخنا السينمائي (أولاد الذوات) اخراج محمد كريم، وستلمح فيه أيضا رقصة وغنوة شاركت فيها (بديعة مصابني)، صاحبة (كازينو بديعة)، الذي قدم للساحة الفنية المصرية اهم الراقصات والمطربين، أمثال تحية كاريوكا وسامية جمال وفريد الأطرش وإسماعيل ياسين ومحمود شكوكو وعبد المطلب وغيرهم.

(أنشودة الفؤاد) أول فيلم ناطق يتقاسم هذه الصفة مع (أولاد الذوات) 1932، وهو يشكل (أقصد انشودة الفؤاد) منصة الانطلاق الأولي للفيلم الغنائي.

أتيح لي في مطلع التسعينيات أن اشاهده في (معهد العالم العربي) بباريس لأول مرة، وذلك من خلال (بيناللي السينما العربية) الذي كان يعقد مرة كل عامين، وكان هو أول مهرجان يرصد السينما العربية، بعيون فرنسية.

(السينماتيك) الفرنسي حافظ علي تراثنا المصري من الاندثار، الدولة الفرنسية كانت تشترط بعد طبع الفيلم في معامل المركز الفرنسي، أن يمنح المنتج نسخة للأرشيف، كانت كل النسخ المصرية، قد ضاعت ولم يسع أحد للعثور عليها، وقبل أن أرى الفيلم، كان كل مؤرخي السينما في مصر، ينقلون فقط معلومات الفيلم عن القصاصات الصحفية، ولهذا شعرت أنني أمام كنز فني حقيقي، وانا أشاهد النسخة التي حرص (السينماتيك) الفرنسي على ترميمها.

المخرج الإيطالي ماريو فولبي، هو الذي تصدي لتلك التجربة، إيطالي الجنسية يهودي الديانة، المجتمع المصري، كان يمنح الجميع فرصا متساوية، وتمتزج فيه كل الجنسيات فهو نموذج (الكوزمو بوليتان)، المطربة المصرية نادرة أمين وشهرتها (نادرة)، أمها لبنانية ومن أب مصري.   نادرة أيضا تعلمت العزف والتلحين، وتصدرت المشهد في الفيلم مع المسرحي المخضرم جورج أبيض، وشارك  الملحن المعروف الشيخ زكريا احمد بتلحين كل أغنيات الفيلم، لم يكتف فقط بهذا القدر، لعب دور الشرير  في الأحداث، واتصور انه وضع حجر الأساس لشخصية الشرير في السينما المصرية، صاحب الحواجب الكثيفة والنظرة الحادة، والجبين المتضخم الذي ينضح شرا، وظلت تلك هي ملامح الشر الغالبة علي الفيلم المصري عقود من الزمن، متأثرة بمنهج الشيخ زكريا أحمد، ولم يتوقف مؤرخو السينما المصرية كثيرا أمام تلك المعلومة، حضور الشيخ زكريا، كملحن عملاق في  تاريخنا الغنائي استحوذ علي كل الأضواء.

وفي العام التالي 1933 ينتج ويلعب محمد عبد الوهاب بطولة أفلامه (الوردة البيضاء) اخراج محمد كريم، ويجب أن نتوقف كثيرا أمام أسم محمد كريم، الرائد الحقيقي للسينما المصرية، أتقن كل مفردات صناعة الفيلم في السينما الناطقة، كما أنه أجاد تقديم الاغنية بمقياس سينمائي، يراعي سرعة إيقاع الزمن، على عكس المخرج ألإيطالي ماريو فولبي، الذي كان يترك الكاميرا تصور المطربة نادرة وهي تغني وكأنها في وصلة حفل وليس شريطا سينمائيا.

فيلم (الوردة البيضاء) يحمل في عمقه أجرأ تجربة أقدم عليها محمد عبد الوهاب في حياته الفنية والشخصية.

الموسيقار الكبير يطلقون عليه (رجل التجربة الثانية)، فهو لا يمكن أن يلحن لمطرب لأول مرة، بل يستمع أولا إلى صوته مع ملحنين أخرين، وبعدها يبدأ هو، حتي في حياته الشخصية تزوج ثلاث مرات، كان هو أيضا الزوج الثاني، في الزوجات الثلاثة، إلا انه قرر ان يكون البطل الأول، والمنتج الأول، لأول فيلم غنائي بطولة رجل وكان هو هذا الرجل، عبد الوهاب يفتقر إلى موهبة الممثل، ولكن الناس تتقبل المطرب، كما هو ولا تنتظر منه ان يقنعها كممثل، بل هناك من الجمهور، من يغادر موقعه في صالة العرض ويدخن سيجارة بعد انتهاء المطرب من الغناء، ثم يعاود الدخول عندما تبدأ الاغنية التالية.

أم كلثوم تأخرت عامين عن عبد الوهاب، حتي توافق على ركوب قطار السينما وقدمت لنا فيلم (وداد) للمخرج الألماني فريتز كرامب 1935، افضل حضور لها كممثلة فيلمي (سلامة) و(فاطمة) وهي مثل عبد الوهاب، لا تجيد التمثيل، ولكن الناس احبت طلتها علي الكاميرا، ترقب الجميع لقاء سينمائي يجمعها مع محمد عبد الوهاب، وكان هذا هو مشروع رجل الاقتصاد طلعت حرب، من خلال (استوديو مصر)، ولكن إصرار أم كلثوم على ان يشارك ألحان عبد الوهاب في الفيلم كل من محمد القصبجي وزكريا احمد ورياض السنباطي، حال دون تنفيذ المشروع، عبد الوهاب أصر علي الانفراد بكل ألحان الفيلم، ومع الأسف خسرت المكتبة الغنائية العربية دويتو غنائي كان من الممكن أن يجمع بين العملاقين أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، عندما سألوا ام كلثوم، قالت أنها كانت تخشى ان يستحوذ عبد الوهاب لنفسه علي الألحان الجميلة، وهذا طبعا مستحيل، لأن عبد الوهاب، سيظل يتحمل مسؤولية اللحن، سواء غناه بصوته أو غنته أم كلثوم.

أم كلثوم لم تكمل مشوارها مع السينما، كما أن عبد الوهاب أيضا اعتزل التمثيل، كانت ام كلثوم قد أصيبت بالغدة الدرقية التي تؤدي إلى جحوظ العينين، مما يجعل اللقطات القريبة مستحيلة، كما أن ضعف نظر عبد الوهاب دفع به للاعتزال، وان كنت أري، أن السبب الحقيقي، لاعتزال عبد الوهاب، أنه وجد أن أفلام فريد الأطرش ثم محمد فوزي تحقق إيرادات أكبر، فاكتفي بالإنتاج، وفي مطلع الخمسينيات، أنتج أفلاما بطولة ابن شقيقه سعد عبد الوهاب، وبعد ذلك شارك عبد الحليم من خلال شركة (صوت الفن)، انتاج أفلام عبد الحليم الغنائية.

وتتابعت الأسماء فريد الأطرش واسمهان وليلي مراد ومحمد فوزي، وصباح وشادية وصارت السينما لصيقة بالمطربين، وهكذا شاهدنا أفلاما بطولة محرم فؤاد ومحمد رشدي وماهر العطار وهاني شاكر وعفاف راضي وصولا إلى محمد منير وعلي الحجار وعمرو دياب ومحمد فؤاد وايمان البحر درويش وغيرهم، وربما أكثر المطربين شغفا بالسينما حاليا هو تامر حسني، وارتفع الرقم إلى 15 فيلم، وردد له الجمهور (خد المقص وقص)  في فيلمه (ريستارت)، ولم يكتف تامر فقط بالغناء والتمثيل، بل خاض أيضا تجربة الكتابة والإخراج السينمائي في فيلم (بحبك)، والغريب أن هذا  الفيلم هو الأكثر تحقيقا للإيرادات بين كل أفلام تامر.

منحت السينما للمكتبة الغنائية ثراء، لولاها ما كان لدينا مئات من الأغنيات تحقق من خلال الحبكة الدرامية، فهل من الممكن أن تقف أم كلثوم علي المسرح  لتغني (ح اقابله بكرة) أو (نصرة قوية)، الدراما السينمائية   أتاحت لها ذلك، أو هل ببساطة تغني اسمهان (أهوي أنا أهوي/ يامين يقولي أهوى/ أسقيه بإيدي قهوة)، أو عبد الوهاب وهو يردد (بلاش تبوسني في عنيا)، و(انسي الدنيا) و(الميه تروي العطشان/ وتطفي نار الحران)، ونراه وهو يستحم في البانيو، السينما حفظت لنا اشرطة مصورة لهؤلاء المطربين العمالقة، المطرب قبل اختراع التليفزيون لم يكن متاحا مشاهدته إلا في حفل غنائي، وسعر تذكرة المسرح، يتضاعف عن سعر  تذكرة السينما، فصار هؤلاء المطربين والمطربات متاحون لنا، خاصة واننا نتحدث عن مرحلة ما قبل البث التليفزيون العربي، الذي عرفناه كعرب مطلع الستينيات.

ولا نزال مدينين للسينما أنها وثقت لنا كل هؤلاء، حتى الجيل الذي لم يحقق نجاحا طاغيا، تستطيع أن تراه من خلال الأفلام التي صورها مثل محمد عبد المطلب كارم محمود وعبد العزيز محمود ومحمد الكحلاوي ومحمد رشدي وهاني شاكر ومحمد قنديل وجلال حرب وماهر العطار وعبد اللطيف التلباني وغيرهم.

الحالة غنائية انتقلت أيضا للملحنين، وهكذا شاهدنا أفلاما يلعب بطولتها رياض السنباطي ومحمد الموجي ومنير مراد، لم تنجح تجارب الملحنين في التمثيل، لم يكملوا الطريق، لأنهم يفتقرون لسحر النجومية والقدرة على جذب شباك التذاكر، ولكن في الحد الأدنى، نستطيع أن نراهم الان على الشاشات.

تغيرت الشخصية التي يلعبها المطرب، من الطيب المطحون الذي يحاول ان يثبت نفسه، راجع القسط الأكبر من أفلام عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، إلى شخصية المشاغب والتي عبر عنها تامر حسني في القسط الأكبر من أفلامه.

لم يكن الطريق أمام عبد الحليم مفروشا بالورود، فلقد اعترضت المنتجة المعروفة ماري كويني علي عبد الحليم وقالت وجهه ليس (فوتوجينيك) لا يصلح للتصوير، وبعد أن تحقق سينمائيا في (لحن الوفاء)، وصار اسمه يكفي لجذب الجمهور، حاولت أن تتعاقد معه علي أفلام من انتاجها وقررت مضاعفة أجره، إلا أنه رفض، فما كان منها سوى انها قررت الدفع بمطرب نبرات صوته تشبه عبد الحليم وهو كمال حسني، وتعاقدت معه علي ثلاثة أفلام، أسندت له بطولة الفيلم الأول (ربيع الحب)، واحضرت له بطلة فيلم (لحن الوفاء) شادية ومخرج الفيلم إبراهيم عمارة والملحن محمد الموجي، وكاتب الأغاني محمد علي أحمد، وفشل الفيلم وفشل مشروع صناعة مطرب له جاذبية في شباك التذاكر، وكان هذا الفيلم هو بداية النهاية لكمال حسني، الجمهور هو صاحب الرأي الوحيد لاختيار نجومه، وتلك المعلومة أراها تستحق أن يتأملها الكاتب والناقد الكبير حسن حداد ليقدمها لنا بقلمه الرشيق في كتاب أخر يحمل توقيعه، عن فن صناعة النجوم في السينما المصرية!!

طارق الشناوي

يونيو 2025

 

 
 
 
 

·    إهداء إلى

·    تقديم بقلم: طارق الشناوي


·    الأغنية في الفيلم المصري


·    نجوم الفيلم الغنائي


·    محمد عبدالوهاب

صور للفنان

أفلام محمد عبدالوهاب

بروفايل

فيلموغرافيا

صور لأفلامه


 

·    أم كلثوم

صور للفنانة

أفلام أم كلثوم

بروفايل

فيلموغرافيا

صور لأفلامها


 

·    ليلى مراد

صور للفنانة

أفلام ليلى مراد

بروفايل

فيلموغرافيا

صور لأفلامها


 

·    محمد فوزي

صور للفنان

أفلام محمد فوزي

بروفايل

فيلموغرافيا

صور لأفلامه


 

·    فريد الأطرش

صور للفنان

أفلام فريد الأطرش

بروفايل

فيلموغرافيا

صور لأفلامه


 

·    عبدالحليم حافظ

صور للفنان

أفلام عبدالحليم حافظ

بروفايل

فيلموغرافيا

صور لأفلامه


 

·    ختام


 

·    حسن حداد في سطور

·    صدر للمؤلف

 

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004