الحضور السعودي في الدورة الجديدة من مهرجان «كان» الحالية
يختلف عن السنوات السابقة على نحو بيّن. قبل 5 أعوام بدا الحضور الأول كمَن
يتلمس حرارة الماء التي سيضع قدمه فيها. الحضور الثاني كان أقوى، وازداد
بعد ذلك أهميةً وصولاً إلى العام الماضي؛ حيث حفل المهرجان، إلى جانب
نشاطات المركز السعودي الرسمي، بفوز المخرج توفيق الزايدي بجائزة «نظرة ما»
الأولى عن فيلم «نوره».
هذا العام يأتي النشاط مكثفاً من جديد.
المركز الذي يستقبل يومياً مئات الضيوف من مختلف أركان
العمل السينمائي هو نقطة بث لمشروعات السينما السعودية كافة، على جبهات عدة.
ما استأثرت بالاهتمام الفوري التعيينات الجديدة التي أجرتها
مؤسسة «مهرجان البحر الأحمر»، وأولها تسليم القيادة العامة للمنتج فيصل
بالطيور الذي تم تعيينه رئيساً تنفيذياً للمهرجان. الترحيب له أسبابه
المحقة: هو أول رئيس تنفيذي لشركة
«Cine Waves»
السعودية، والرئيس التنفيذي لشركة
«Movie Studios»،
إضافة إلى أنه صاحب مبادرة إنشاء صالة سينمائية متخصصة بعروض الأفلام
المستقلة والفنية.
إلى ذلك، هو منتج نشط شارك في إنتاج «وداعاً جوليا» لمحمد
كردفاني، والفيلم السعودي «سطّار» عام 2023، الذي حقَّق نجاحاً تجارياً
واسعاً حين تم عرضه داخل المملكة.
على جبهة أخرى، هناك وجود نشط لمؤسستَي «العلا» و«إثراء»،
ونخبة من السينمائيين السعوديين العاملين في جهود تقديم السينما السعودية
كافة، وما يمكن للمملكة تحقيقه على صعيد جذب الرساميل الأجنبية لإنتاج
وتصوير أفلامها في المملكة.
دنيرو يدعو لثورة سلمية
بقدر ما يحاول مهرجان «كان» النأي بنفسه عن السياسة، ولو
إلى حد، بقدر ما تتشبّث السياسة، به ولهذا سبب وجيه: «كان» هو الدرّة بين
كل مهرجانات العالم. المنصّة العالمية التي لا بد من طرح مشكلات العالم
عليها، أراد المسؤولون ذلك أم لا.
ليس أن المسؤولين يمانعون بقاء كل صنوف الإعلام نشطة، لكنه
رسمياً لا يريد أن يتبنّى وجهة نظر في أي شأن. سيعرض أفلاماً تعبِّر عن
آراء أصحابها، لكنه لن ينحاز إلى أي جهة بحد ذاتها طبعاً.
لكن السياسة كانت تدخلت في أعماله من قبل. في كل عام
تقريباً كانت هناك مظاهرة ما تطالب بحقوق، أو تهدف للفت الأنظار إلى قضية
منسية. هذا من دون أن ننسى حضور مخرجين هربوا من بلادهم مثل المخرج التركي
الراحل يلماز غونيه، الذي فرَّ من سجنه إلى سويسرا بطريقة تستحق فيلماً
عنها، ومثل المخرج الإيراني جعفر بناهي الذي يصرُّ على إبداء رأيه في مسائل
وموضوعات تستفز الجهات الرسمية في كل مرّة.
ويجب أيضاً ألا ننسى ثورة 1968 التي غيَّرت من شكل المهرجان
وعروضه، بالمواكبة مع المتغيّرات التي شهدتها السينما الفرنسية، متمثلة
بموجة السينما الفرنسية الحديثة التي من بين قادتها المخرجون فرنسوا تروفو،
وكلود شابرول، وإريك رومير وجان-لوك غودار. عن هذا الأخير سنرى فيلماً
أميركياً عنوانه «الموجة الجديدة
(Novuee Vague)»،
حيث غودار هو لب الفيلم ورأس حربته معاً.
كانت الدورة الـ78 الحالية انطلقت بنبرة سياسية منذ
بدايتها، عندما تم تقديم جائزة «سعفة الشرف الذهبية» إلى الممثل روبرت
دنيرو. هذا لم يتأخر في انتقاد الرئيس دونالد ترمب (وهو المعروف منذ سنوات
بعدائه الشديد له) والمطالبة بثورة سلمية «لكن بقوة العزيمة» للدفاع عن
الحريّات في أميركا، ولمناوأة القرار الذي ينوي الرئيس ترمب تنفيذه بفرض
رسم مقداره 100 في المائة على كل فيلم أميركي يتم تصويره، ولو جزئياً، خارج
أميركا.
وفي تصريحاتها الخاصة، قامت الممثلة جولييت بينوش بدخول
المعترك السياسي عندما نادت بوضع حدٍّ للحروب (من دون تسميتها)، وبوضع حدٍّ
للمتغيرات البيئية و«الأفعال الشيطانية والبربرية» كافة، (كذلك من دون
تحديد).
ما لم ترغب بينوش تسميته ظهر في مقال تم نشره في صحيفة
«ليبراسيون» الفرنسية يدين الصمت وعدم الاكتراث للإبادة التي تقوم بها
الدولة الإسرائيلية في غزّة. هذا البيان تم توقيعه من قبل نجوم كبار، من
بينهم ريتشارد غير، ومارك روفالو، وسوزان ساراندون، والممثل الإسباني
خافييه باردم، والمخرج البريطاني كن لوتش المعروف بأفلامه ذات السمات
السياسية.
أوكرانيا - فرنسا
إلى ما سبق، لا بد من الإشارة إلى أن مجموع المنتجين
والموزّعين الأميركيين والأجانب متفقون على أن قرار الـ100 في المائة يجب
ألا يصدر، وعلى المجتمع السينمائي أن يدين مثل هذه الخطوة. قرار لا يجب أن
يُعدّ مفاجئاً كون الخوف من تفعيل القرار يضع الجميع تحت ردّات فعل
اقتصادية صعبة.
على صعيد الأفلام ذاتها، وبينما المهرجان لا يزال في
بدايته، شاهدنا أعمالاً سياسية التوجه، أولها كان «ضع روحك على يديك وامشي
(Put Your Soul on You Hands and Walk)»،
وهو فيلم تسجيلي عن المصوّرة الفلسطينية فاطمة حسّونة التي قُتلت في السادس
عشر من الشهر الماضي، عندما دهمت القوّات الإسرائيلية منزلها وقتلتها مع
أفراد أسرتها.
الفيلم الآخر الذي يتطرَّق إلى السياسة في عقر دارها هو
«الملف 137
(Dossier 137)»،
لدومينيك مول. فيلم فرنسي ضد خروج رجال البوليس عن القانون ومحاولة الهروب
من المسؤولية. تقود الفيلم ليا دروكر في دور المحققَّة في جهاز الـ«IGPN»،
وهو جهاز رسمي مخصَّص للتحقيق في تجاوزات البوليس الفرنسي. الفيلم، المقتبس
عن كتاب حول أحداث واقعية وقعت في عام 2018، يتمحور حول قيام أحد رجال
البوليس بإطلاق النار على رأس متظاهر وتركه طريحاً. شرطي آخر تقدَّم منه
ورفسه قبل أن تبتعد المجموعة عن مسرح الجريمة. يمضي الفيلم وقتاً قليلاً في
الشؤون العائلية للمحققة، إذ إن الفيلم بكامله تقريباً عبارة عن شريط
متتابع من التحقيقات والمقابلات والتسجيلات في محاولة بطلته إثبات التهمة
على أفراد الشرطة.
الفيلم معادٍ للبوليس الفرنسي إذا ما عدّ نفسه فوق القانون،
وهذا يتضح بلقطة أخيرة للشاب الذي تعرَّض فعلياً لإطلاق النار وهو يشرح ما
الذي نتج عن تلك الإصابة عليه، إذ لن يستطيع أن يعود إلى سابق حياته،
وسيعيش دوماً بآلام في الرأس وعِللٍ بدنية ونفسية كثيرة طوال أيامه المقبلة.
في الجوار هناك 3 أفلام تسجيلية عن أوكرانيا تُعرَض خارج
المسابقة، وهي «2000 متر عن ماريوبول» لمستيسلاڤ شرنوف، و«حرب أخرى»
لبرنار-هنري ليڤي ومارك روسل، و«زيلينسكي» الذي يتحدّث عن الرئيس الأوكراني
مباشرة ومن وجهة نظر خالية من أي نقد ظاهر أو مبطّن.
بالنسبة للمهرجان الفرنسي هذا الاستعراض ينتمي إلى موقف
فرنسا الذي يدين ما يُسمّى «الغزو الروسي»، وهو الموقف الذي تبنّاه
المهرجان رسمياً هذا العام من يومه الأول.
إسرائيلياً، هناك رسالة انتقاد نُشرت علناً تدين قيام حكومة
نتنياهو بإسناد وزارة الثقافة (التي من شؤونها إدارة الشؤون السينمائية)
إلى شخصية مُحافظة تدعم تقليص الدعم الحكومي للسينما ولمهرجاناتها الثقافية
والفنية. |