ملفات خاصة

 
 
 

أخطاء "كانّ" فادحة:

لماذا يتغاضى عربٌ عنها؟

نديم جرجوره

كان السينمائي الدولي

الثامن والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

عاملون وعاملات عرب في النقد والصحافة السينمائيّين يُفضّلون التغاضي عن أخطاء، بعضها مُكرّر، ترتكبها إدارة مهرجان "كانّ" السينمائي (تييري فريمو مندوبه العام) في دورات سابقة (يُقال إنّ الارتكابات، كي لا تُستخدم مفردة "أخطاء"، حاصلة منذ تفشّي كورونا مطلع عام 2020)، والمهرجان نفسه يصفه هؤلاء غالباً بكل ما في خانة "أفعل التفضيل" من أوصافٍ إيجابية وتبجيلية. يرون في التغاضي "راحة بال"، أو يظنّونه دافعاً لإدارة المهرجان إلى اهتمامٍ أكبر بهم/بهنّ، علماً أنّ أقصى ما يحصلون عليه منها "بطاقةَ اعتماد"، تُخوّلهم مشاهدة أفلامٍ، والمشاركة في مؤتمرات صحافية، وطلب إجراء مقابلات، لن يكونوا فيها لوحدهم، فكلّ جلسة (مدّتها: 15 ـ 20 دقيقة) تضمّ خمسة/سبعة مُحاورين/محاورات، ذوي جنسيات مختلفة.

بطاقة الاعتماد تلك تُمنح بألوان متنوّعة، لكلّ لون مرتبة معيّنة في أولويات المُشاهدة، فيبدو المشهد غير منصفٍ وغير عادل، كما يشعر زملاء وزميلات عرب، يُتابعون الدورات السنوية للمهرجان رغم كلّ شيء. فالأبيض (قلّة من النقاد تحصل عليه، ويتردّد أنّه "مُختفٍ" في أعوامٍ قليلة ماضية، علماً أنّ الناقدين السينمائيين المصريين الراحلين سمير فريد ويوسف شريف رزق الله حاصِلان عليه دون سائر العرب) يعني الدخول أولاً قبل الجميع، يليه الوردي مع نقطة صفراء، ثم الوردي من دون نقطة، فالأزرق والبرتقالي والأصفر والأحمر. هذا يعني أنّ حامل الألوان الأخيرة (بدءاً من الأزرق) ربما لن يعثر على مقعدٍ له في صالات العروض الصحافية.

هذا غير موجود في "مهرجان برلين". بينما "مهرجان فينيسيا" يعتمد هذا التقليد، مع أنْ لا أفضلية للون على آخر في حجز بطاقات المشاهدة. أمّا "السوق"، المعنية بالتوزيع والإنتاج (أي "بيزنيس")، فلها بطاقات خاصة، يندر حصول ناقد أو صحافي/صحافية سينمائي عليها.

رغم هذا، يتجاهل عربٌ عديدون ما يُشبه الفوضى في مسائل إدارية وتنظيمية، تعمّ دورات سابقة عدّة. يتجاهلون كذباً وعدم مساواة في تعامل إدارة "كانّ" مع مسائل دولية، في السياسة والحروب، فتُتيح لسياسي (فولوديمير زيلينسكي) مساحة لكلمة في حفلة افتتاح، لخوضه حرب بقاء ضد دولة جارة (ما علاقته بالسينما أصلاً، رغم أنّه ممثل تلفزيوني سابق، غير مشهور كثيراً خارج بلده؟)، لكنّها تنفضّ عن جريمة ترتكبها دولة (حرب الإبادة الإسرائيلية الأخيرة)، أقلّه بتحاشيها ذكرها وذكر جرائمها، خاصة مع اختيارها فيلماً "فلسطينياً"، تُقتل شخصيته النسائية الأساسية بغارة إسرائيلية يتردّد أنّها متعمّدة (فاطمة حسونة، وفيلم "ضع روحك على كفّك وامشِ" للإيرانية زبيدة فارسي). مع هذا، يندر العثور على "رأي" لناقد أو صحافي/ صحافية سينمائي عربيّ إزاء المسألة هذه، عشية الدورة الـ78 (13 ـ 24 مايو/أيار 2025).

يستخدم هؤلاء العرب مفردات تبجيلية في وصف المهرجان، مع أنّها غير لائقة بمهنةٍ، وغير متوافقة مع نقدٍ. هناك بينهم/ بينهنّ من "يشتم" زملاء وزميلات، قلائل للغاية، لهم/ لهنّ كتابات نقدية تطرح تساؤلات مشروعة. يقولون، مواربة أو علناً (ويفخرون بذلك)، إنّ المهمّة الأولى كامنةٌ في مشاهدة أفلام والكتابة عنها فقط، والبعض يهرع إلى غرف المؤتمرات الصحافية، وإنْ يُكلّفه هذا خسارة فيلم، "ربما" يشاهده لاحقاً في يوم آخر، أو ينساه كلّياً. فالحوارات نفسها، رغم ضيق الوقت، فرصةٌ بالنسبة إليهم/ إليهنّ لاقتناص صورة والحصول على إجابات، يُقال إنّ عرباً (يندر مشاركتهم/ مشاركتهنّ في حوارات كهذه أصلاً) غير متردّدين عن "سرقة" أسئلة زملاء وزميلات أجانب، لنشرها مع الإجابات في ما يسمّونه "حواراً خاصاً" بهذه المطبوعة، أو بذاك الموقع.

لا نقاش حول ضيق الوقت، فهذا مفهوم، لأنّ من يوافق على حوارات كهذه (الغالبية الساحقة لممثلين/ ممثلات ومخرجين/ مخرجات) يأتي إلى مهرجان "كانّ" لأيامٍ قليلة، والحوار، الذي يُنظَّم قبل عرض الفيلم أحياناً، وهذه مشكلةٌ نقدية وصحافية كبيرة (للحوار الإعلامي مدّة أطول بقليل، فالجهات الإنتاجية تُفضّله لرواجه الشعبيّ)، جزءٌ من ترويجٍ مطلوب.

قول هذا كلّه يُشير إلى أنّ المهرجان غير مانح إياهم/ إياهنّ ميزات، "تفرض" تغاضياً عن قراءات نقدية سوية لأخطاء وارتباكات وخديعة وكذب وادّعاء، ترتكبها إدارة المهرجان وتتصرّف وفقاً لها.

مهرجان كهذا غير مكترثٍ أصلاً بكتابات نقدية عربية، رغم إصراره على إرسال المكتوب عن كلّ دورة إلى مكتبه الصحافي، لـ"الاطمئنان" على أنّ من يُمنَح "بطاقة اعتماد" يُتابع يوميات دوراته، ويكتب عن أفلامها ونشاطاتها. لكنْ، أهناك من يقرأ فعلياً؟ ألن يكون عربيّ/ عربيّة مسؤولاً عن القسم العربي في المكتب الصحافي، مع ما يعنيه هذا من تلبية مصالح شخصية، أحياناً؟ لذا، ما الداعي إلى تجنّب الكتابة النقدية السوية عن أخطاء مرتكبة منذ أعوام قليلة، في مسائل إدارية وتنظيمية: الخوف من أنْ يُرفض طلب الحصول على "بطاقة اعتماد" في دورة لاحقة؟ ألن تكون الكتابة هذه جزءاً من المهمة النقدية والصحافية على الأقلّ، فللإعلام المرئي/ المسموع مهمات غير نقدية إطلاقاً؟ أيظنّ هؤلاء أنّ تجنّب التعليق النقدي السوي عن أخطاء سيمنحهم ميزات إضافية، لن يحصلوا عليها لأنهم/ لأنهنّ غير حاصلين على شيءٍ أساساً، باستثناء "بطاقة الاعتماد" تلك، التي يُروى أنّ علاقات عامة تفرض تبديلاً بألوانها وفقاً لمصالح شخصية متبادلة؟

تساؤلات كهذه ربما تدفع عربٌ إلى مزيدٍ من الشتم والتقريع، بدلاً من إثارة نقاشٍ صحّي وعلني وواضح. لكنّها (التساؤلات) أحد أسس المهنة.

 

####

 

"وقائع سنوات الجمر": عودة إلى "كانّ" بعد نصف قرن

عبد الكريم قادري

قليلة الأفلام العربية المُشاركة والمتُوّجة في مهرجان "كانّ"، مقارنة بالسينمات العالمية الأخرى. رغم هذه القلة، هناك تجارب مهمّة شكّلت استثناءً، وسجّلت حضورها بماء من ذهب فيه. البدايات مع أفلام مصرية: "دنيا" لمحمد كريم (1946)، و"مغامرات عنتر وعبلة" لصلاح أبو سيف (1948) و"البيت الكبير" لأحمد كامل مرسي (1949)، و"ابن النيل" ليوسف شاهين، و"وليلة غرام" لأحمد بدرخان في دورة 1952. ثم تلتها مشاركات عربية أخرى.

الأفلام هذه وغيرها، المشاركة في الفترة المذكورة وما بعدها، خرجت من المسابقات الرسمية والموازية خاوية الوفاض، مع استثناءات قليلة، بسبب منافسة أفلام قوية من دول لديها مرجعية سينمائية راسخة. إضافة إلى معطيات أخرى غير معلومة، لا دليل يثبت اختيار فوزها انطلاقاً من أبعاد غير جمالية وفنية، خاصة في الأفلام الطويلة.

لكنْ، هناك أفلام عربية كسرت تلك القاعدة، وتكلّلت مشاركتها بالنجاح، كالجزائري "ريح الأوراس" (1966) لمحمد لخضر حمينة (1934)، الذي صنع الاستثناء، إذْ شارك بالمسابقة الرسمية للدورة الـ20 (27 إبريل/نيسان ـ 12 مايو/أيار 1967). حينها، كانت المنافسة قوية بين أفلام عدّة مهمّة لمخرجين مهمّين، لهم بصمات خاصة في السينما، كـ"أنت صبي كبير الآن" لفرنسيس فورد كوبولا، و"بلو آب" لميكلأنجلو أنتونيوني، الفائز بـ"السعفة الذهبية". ورغم أنّه لم ينل الجائزة الكبرى، اقترب "ريح الأوراس"، بحسب تصريح لحمينة، من السعفة، لكنّ امتناع السنغالي عثمان سمبين عن التصويت له حال دون ذلك. لكنّ لجنة التحكيم، برئاسة المخرج الإيطالي أليسّاندرو بلازيتّي، منحته جائزة العمل الأول.

رغم أهميتها، لم ترضِ الجائزة طموح حمينة فهو سينمائي يتّقد حماسة وشغفاً، فراح يعمل ويفكّر ويكتب، إلى أنْ ألّف سيناريو مهمّاً مع رفيق الكتابة توفيق فارس، بالتعاون مع الروائي رشيد بوجدرة، ساعياً بعدها إلى تحقيق حلمه السينمائي المؤجّل، عبر "الديوان الوطني للتجارة والصناعة السينماتوغرافية" (مؤسّسة جزائرية أنتجت أفلاماً مهمة وفارقة).

صوّر حمينة فيلمه هذا، وقائع سنوات الجمر" (إنتاج 1974) - الذي تُعرض نسخة مُرمّمة له في "كلاسيكيات كانّ"، في الدورة الـ78 (13 ـ 24 مايو/أيار 2025) لمهرجان "كانّ" - في مناطق جزائرية عدّة، وفي فضاء مهمّ عكس هوية الفيلم: ساحة مدينة "غرداية". بعد إنهاء تصويره وعملياته الفنية، أرسله إلى "كان"، فاختير للمسابقة الرسمية للدورة الـ28 (9 ـ 23 مايو/أيار 1975)، التي ترأست لجنة تحكيمها الفرنسية جانّ مورو"، وفاز بالجائزة الكبرى. من الأفلام المشاركة في الدورة نفسها، هناك "أليس لم تعد تُقيم هنا" لمارتن سكورسيزي، و"لغز كاسبر هاوزر" لفيرنر هرتزوغ، و"المهنة: صحافي" لمايكلأنجلو أنتونيوني، و"قسم خاص" لكوستا غافراس، وغيرها.

المُثير للانتباه في هذه الدورة، مشاركة المجري ميكولوي جانكسو، بفيلمه "من أجل إلكترا"، في المسابقة نفسها مع "وقائع سنوات الجمر"، هو (جانكسو) الذي كان عضواً في لجنة تحكيم الدورة الـ20. المُثير للانتباه أيضاً أنّ كوستا غافراس "جلب" للجزائر "أوسكار" أفضل فيلم أجنبي عام 1969، عن "زَدْ"، الذي أخرجه بإنتاج مشترك بين الجزائر وفرنسا، لكنّه رُشِّح لهذه الجائزة باسمها، فتكون الجزائر الدولة العربية الوحيدة التي لديها جائزة "أوسكار"، والوحيدة التي فازت بـ"السعفة الذهبية".

رغم مرور نصف قرن على إنجازه، لا يزال "وقائع سنوات الجمر" يحتلّ صدارة أجمل الأفلام وأقواها، لانتصار حمينة فيه لرؤى وجماليات مفتوحة، تقتات من اللغة السينمائية ومنطلقات الجمال البصري، خاصة أنّه صنع مشاهد لا تُنسى، كمشهد الصراع على المياه بين جهتين، وتلوّن جسم كلّ فرد بالطين، وهذه دلالة على ما خلّفه الاستعمار الفرنسي على الجزائر كلّها. مشهد جمالي لم يتكرّر لاحقاً، ويحمل دلالتين رمزية وبصرية. هذا مثال على ما في الفيلم من جماليات غير محدودة، لذا، لا يمكن لهذه التحفة أنْ تموت.

مع أنّ له مشاركات مميزة ونوعية في مهرجان "كانّ"، لم تختر إدارته محمد لخضر حمينة أبداً عضواً في لجان تحكيمها، مع أنّ إنجازاته فيه مهمّة جداً، إذ شارك في المسابقة الرسمية ثلاث مرات، آخرها بـ"رياح رملية" (1982). التساؤل مشروع، ويحتاج إلى إجابة صريحة ومعقولة.

 

####

 

"سعيد أفندي" في "كلاسيكيات كانّ الـ78":

شهادة سينمائية عن قضايا اجتماعية

بغداد/ علاء المفرجي

اختارت لجنة الحسن بن الهيثم للذاكرة العراقية المرئية، بدعم من السفارة الفرنسية في العراق ووزارة الخارجية الفرنسية، وتنفيذ Expertise France بمشروع "سينماتك العراق"، الفيلم العراقي "سعيد أفندي" (1956) لكاميران حسني (1 يوليو/تموز 1927)، القادم من الولايات المتحدة الأميركية بعد نيله شهادة ماجستير في الإخراج السينمائي، والذي يُعدّ رائد السينما الواقعية.

ميزةٌ له أنّه مُصرّ على المساهمة في صنع سينما عراقية، لها حضور متميز، فأصدر مجلة "السينما" عام 1955، أول مطبوعة سينمائية عراقية. مُدرّس في "معهد الفنون الجميلة"، وباكورة أعماله مخرجاً "سعيد أفندي"، الذي كان له نجاح باهر بمعايير خمسينيات القرن الـ20. عُرض أولاً عام 1957 في "سينما الخيام" بكركوك، ثم في "معهد العالم العربي" بباريس، في تكريم يوسف العاني عام 1998، المتمثّل بعرض أفلامٍ عدّة له. "سعيد أفندي" أول فيلم عراقي يشارك في احتفال دولي، في "مهرجان موسكو"، عام 1958.

لم يستطع حسني إكمال مشواره الواعد، إذ أحبطت ظروفٌ طموحاته، فأصابته الخيبة، وانسحب من الفن اٍلى التجارة، مؤسِّساً مطعماً في بغداد. ثم ما لبث أنّ هاجر مجدّداً، ليموت مُغترباً (6 سبتمبر/أيلول 2004).

فيلمه هذا رُمِّم بتقنية K4 في "المعهد الوطني للسمعي البصري الفرنسي (INA)"، باستخدام النيغاتيف الأصلي، وحُفظت النسخة المرمّمة لدى لجنة الحسن بن الهيثم نفسها. وللمرة الأولى في تاريخ السينما العراقية، اختير "سعيد أفندي" ليُعرض في "كلاسيكيات كانّ"، في الدورة الـ78 (13 ـ 24 مايو/أيار 2025) لمهرجان "كانّ".

"سعيد أفندي" مقتبس عن قصة "شِجَار" (1955) للكاتب إدمون صبري (1921 ـ 1975)، ويُعدّ من أبرز الأعمال الكلاسيكية العراقية. تمثّل هذه الخطوة غير المسبوقة إحياءً للتراث العراقي السينمائي، ونقله إلى العالم من أوسع أبوابه. إنّه أحد أبرز الأعمال السينمائية العراقية، ويعكس صورة حيّة للمجتمع البغدادي في خمسينيات القرن الماضي. يتميّز بأسلوب واقعي يبتعد عن الديكورات المصطنعة، إذْ صُوّر في أزقة منطقة "الحيدرخانة"، وبيوتها القديمة، ما أضفى عليه طابعاً أصيلاً يعكس بساطة الحياة اليومية: المعلّم سعيد أفندي (يوسف العاني) يواجه صعوبة في العثور على مسكن مناسب لعائلته، فينتقل إلى حي شعبي، يلتقي فيه جاراً جديداً، الإسكافي عبد الله (جعفر السعدي). تنشأ بين العائلتَين علاقات متوتّرة بسبب مشاجرات الأطفال، ما يؤدّي إلى سلسلة أحداث تكشف عن التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها الطبقات المتوسّطة في تلك الحقبة.

اعتمد حسني أسلوب الواقعية الإيطالية الجديدة، مستخدماً معدات بسيطة في التصوير بمواقع حقيقية، وهذا أضفى طابعاً طبيعياً بعيداً عن التصنع. هذا النهج الفني ساعد في نقل الواقع الاجتماعي للمجتمع العراقي في تلك الفترة، جاعلاً الفيلم وثيقة سينمائية قيّمة لعادات بغداد القديمة وتقاليدها. فسبب اختيار الواقعية، والتصوير في أماكن طبيعية، كامنٌ في عدم توفر استديوهات وآلات حديثة وديكورات وأدوات فنية، لكنّ "سعيد أفندي" تعرّض لمشاكل رقابية قبل عرضه للجمهور للمرّة الأولى في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني 1957، في سينما "ميامي" في بغداد.

رغم بساطة القصة، نجح الفيلم في تسليط الضوء على قضايا اجتماعية مهمّة، كالطبقات الاجتماعية والتعليم والعلاقات بين الجيران. أثار اهتمام النقاد والجمهور، واعتبره البعض بداية تأسيس سينما عراقية تعكس الواقع الاجتماعي بصدق وواقعية، كما يُعدّ علامة فارقة في تاريخ السينما العراقية، بجمعه بين الأسلوب الفني الواقعي والموضوعات الاجتماعية المهمة. ورغم مرور أكثر من ستة عقود على إنتاجه، لا يزال يحتفظ بقيمتيه الفنية والتاريخية، ما يجعله مرجعاً مهمّاً لفهم تطوّر السينما العراقية، وتوثيق الحياة اليومية في بغداد الخمسينيات.

حين عُرض، اعتُبر "سعيد أفندي"، الذي أبدعت فيه الفنانة زينب حسني، إلى جانب العاني وكاتب السيناريو كاميران حسني نفسه، باكورة ناضجة تبشّر بخير سينمائي كثير، أعقبه حسني بـ"مشروع زواج" (1962)، ثم "غرفة رقم 7" (1966، مُنجز في لبنان)، فيلمه الأخير، قبل عودته إلى أميركا.

 

####

 

افتتاح مهرجان كان: غزة وأوكرانيا وترامب

(رويترز، فرانس برس)

رثت رئيسة لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائي، الممثلة الفرنسية جولييت بينوش، المصورة الفلسطينية فاطمة حسونة، التي تُعرض قصتها في فيلم وثائقي ضمن فعاليات المهرجان، علماً أنها استشهدت جراء قصف إسرائيلي على غزة في منتصف إبريل/ نيسان الماضي. واستهلت بينوش افتتاح الدورة الثامنة والسبعين للمهرجان مساء الثلاثاء بقولها: "كان ينبغي أن تكون فاطمة معنا الليلة. الفن يبقى، فهو الشهادة القوية على حياتنا وأحلامنا". كما تطرقت في كلمتها إلى "رهائن السابع من أكتوبر/ تشرين الأول وجميع الرهائن والسجناء والغرقى الذين يقاسون الرعب ويموتون في شعور رهيب بالتخلي".

وأشارت بينوش أيضاً إلى أن "الحرب والفقر وتغير المناخ وكراهية النساء وشياطين همجيتنا لا تسمح لنا بأي قسط من الراحة". وأضافت أمام نخبة من نجوم السينما، من ضمنهم الممثلان الأميركيان روبرت دي نيرو وليوناردو دي كابريو: "في مواجهة ضخامة هذه العاصفة، علينا الدفع قدماً لإبراز اللطف وتحويل رؤانا، ومعالجة جهلنا والتخلي عن مخاوفنا وأنانيتنا، وتغيير مسارنا".

وفي رسالة مفتوحة نُشرت أمس الثلاثاء، دعا نحو 400 من أبرز نجوم السينما العالمية، من بينهم المخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار والممثل الأميركي ريتشارد غير، إلى كسر "الصمت" في مواجهة ما وصفوها بـ"الإبادة الجماعية" في غزة. كما حيّوا المصورة فاطمة حسونة التي تتمحور حولها أحداث فيلم وثائقي يُعرض ضمن فئة موازية في مهرجان كان.

ترامب "عدو الفن"

من جانبه، وجّه الممثل الأميركي المخضرم روبرت دي نيرو انتقاداً لاذعاً إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب واصفاً إياه بـ"عدو الفن"، وذلك خلال حفل الافتتاح، كما عبّر عن اعتراضه على اقتراح ترامب فرض رسوم جمركية على الأفلام. واغتنم دي نيرو الفرصة، خلال الكلمة التي ألقاها مساء الثلاثاء بمناسبة تكريمه بجائزة إنجاز العمر، للدعوة إلى الاحتجاج.

وتسلّم دي نيرو، البالغ من العمر 81 عاماً، الجائزة من زميله ليوناردو دي كابريو، على مسرح "غراند ثياتر لوميير"، بحضور نجوم حازوا جوائز أوسكار، مثل بينوش، والممثلة الأميركية هالي بيري، والمخرج الأميركي كوينتن تارانتينو. ورأى دي نيرو أن "ترامب خفّض التمويل والدعم المخصص للفنون والعلوم الإنسانية والتعليم، والآن يعلن رسوماً جمركية بنسبة 100% على الأفلام المنتَجة خارج الولايات المتحدة". وتابع: "لا يمكن تسعير الإبداع، لكن يبدو أنه يمكن فرض رسوم عليه"، داعياً "كل من يهتم بالحرية" إلى مقاومة هذه السياسات.

الواقع السياسي يخيم على مهرجان كان

على الرغم من تأكيد منظّمي المهرجان رغبتهم في تجنب الانخراط في السياسة، لكن إدراج أفلام من غزة وأوكرانيا وإيران هذا العام، بالإضافة إلى إعلان ترامب الأخير، سلط الأضواء مجدداً على التداخل بين السينما والواقع السياسي. وفي كلمتها، اعتبرت بينوش أن تهديد دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الأفلام الأجنبية هو جزء من "محاولاته لإنقاذ سمعته". وصرّحت للصحافيين في منتجع الريفييرا الفرنسية: "نراه يصارع ويحاول بشتى السبل إنقاذ أميركا وإنقاذ نفسه". وأضافت: "لدينا مجتمع سينمائي قوي جداً في قارتنا، في أوروبا، لذا لا أعرف حقاً ماذا أقول عن ذلك".

ومن المقرر أن تحسم بينوش، الحائزة جائزة أوسكار، بالتعاون مع ثمانية أعضاء آخرين في لجنة التحكيم، من بينهم هالي بيري وجيريمي سترونغ، الفيلم الفائز بالسعفة الذهبية الكبرى. ويُختتم مهرجان كان السينمائي في 24 مايو/ أيار الحالي، بمنح جائزة السعفة الذهبية لأحد الأفلام الـ22 المتنافسة.

ورأى سترونغ، المعروف بدور كيندال روي في مسلسل "الخلافة" (Succession) على شبكة "إتش بي أو"، أن السينما باتت أداة أكثر أهمية لنقل الحقيقة في عهد ترامب. وأوضح أنه يعتبر عضويته في لجنة التحكيم بمثابة "تكفير رمزي" عن تجسيده شخصية روي كوهن، المعلّم السابق لترامب، في فيلم "المتدرب" (The Apprentice) الذي عُرض العام الماضي في المهرجان. وقال: "أرى روي كوهن أساساً رائداً في صناعة الأخبار الكاذبة والحقائق البديلة، ونحن اليوم نعيش في ظل ما خلّفه".

قواعد اللباس

من جانبها، أعربت الممثلة الأميركية هالي بيري عن دهشتها من تحديث قواعد اللباس في مهرجان كان السينمائي، مشيرة إلى أنها اضطرت إلى تغيير فستانها في اللحظة الأخيرة قبل الافتتاح. وتحظر القواعد الجديدة ارتداء الأزياء العارية أو الفساتين الواسعة ذات الذيول الطويلة التي قد تعرقل حركة الضيوف على السجادة الحمراء أو تربك الجلوس داخل المسرح. وأكد المنظمون أنه قد يُمنع دخول من لا يلتزمون بالقواعد الجديدة. وأوضحت بيري في مؤتمر صحافي: "كان لدي فستان رائع من تصميم جوبتا لأرتديه الليلة، لكن لا يمكنني ارتداؤه لأن ذيله كبير جداً". وأضافت، وهي الحائزة جائزة أوسكار عام 2001: "اضطررت إلى تغييره، لكن أعتقد أن الجزء المتعلق بالملابس العارية قد يكون قاعدة جيدة أيضاً". وشهدت السنوات الأخيرة تجاوزات لافتة في أزياء السجادة الحمراء، مع ارتداء فساتين شفافة أو ذات ذيول ضخمة وأزياء كاشفة للصدر، ما دفع إدارة مهرجان كان إلى فرض قيود أكثر صرامة هذا العام.

 

العربي الجديد اللندنية في

14.05.2025

 
 
 
 
 

كان السينمائي ينطلق متأثرا بقضايا سياسية واجتماعية عالمية

الدورة الحالية تشهد حضورا كبيرا لنخبة الوسط السينمائي العالمي.

كان (فرنسا)تتابع الأوساط الفنية والثقافية منذ الثلاثاء 12 مايو وحتى 24 مايو الجاري فعاليات الدورة الثامنة والسبعين من مهرجان كان السينمائي الذي ينعقد هذا العام متأثرا بترددات الأحداث التي تزعزع العالم راهنا، وفي مقدّمتها حربا غزة وأوكرانيا، إلى جانب الانقلاب الكبير في صناعة السينما جرّاء تنامي دور الذكاء الاصطناعي.

كما تُلقي سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بظلها على هذه الدورة، إذ يُتوقع أن تحضر المخاوف التي أثارها الرئيس الأميركي في أوساط الفن السابع، بتهديده بفرض رسوم جمركية بنسبة مئة في المئة على الأفلام الأجنبية.

وتحضر حرب غزة بقوة من خلال عدد من الأفلام التي تتناولها، من بينها وثائقي قُتِلت بطلته، وهي مصورة من غزّة، بقصف صاروخي إسرائيلي في منتصف أبريل الماضي.

وسيكون عرض الفيلم الوثائقي الطويل “ضع روحك على كفك وامشِ” أحد أبرز أحداث المهرجان الذي يتوقع أن تُثار فيه مجددا نقاشات حول الحرب بين إسرائيل وحماس. فهذا الوثائقي للمخرجة الإيرانية سبيده فارسي يتمحور حول فاطمة حسونة البالغة 25 عاما، ابنة غزة التي كانت تصوّر حياتها اليومية أثناء الحرب.

وفي 15 أبريل، علمت الشابة أن الفيلم أُدرج ضمن برنامج المهرجان، ولكن في اليوم التالي، دمّر صاروخ منزلها بالكامل، ما أدى إلى مقتلها مع عائلتها، ولم تنجُ سوى والدتها.

حرب غزة تحضر بقوة من خلال عدد من الأفلام من بينها وثائقي "ضع روحك على كفك وامشِ" الذي قُتِلت بطلته

وسيكون عرض الفيلم ضمن فئة “أسيد”، وهي الأقل شهرة بين الأقسام الموازية في المهرجان، “وسيلة لتكريم ذكرى الشابة التي وقعت ككثر غيرها ضحية للحرب،” على ما أكد منظمو المهرجان، معربين عن “صدمتهم وحزنهم العميق إزاء هذه المأساة التي هزت العالم أجمع.”

كما تعرض أفلام فلسطينية أخرى ضمن أٌقسام موازية، أحدهما ضمن قسم “نظرة ما” بعنوان “كان يا ما كان في غزة”، للمخرجين الشقيقين طرزان وعرب ناصر، اللذين يعيشان خارج القطاع منذ سنوات، لكنّ أعمالهما تتناوله.

وتشكّل مكافحة العنف الجنسي ووضع حدّ للتمييز والعنف القائمين على النوع الاجتماعي مَحاور ستشغل المهرجان بعد ثماني سنوات من موجة “مي تو” (أنا أيضا) التي تندد بأشكال التحرش الجنسي.

وكانت لجنة التحقيق في العنف الجنسي في القطاع الثقافي، المنبثقة من الجمعية الوطنية الفرنسية (إحدى غرفتي البرلمان)، دعت المهرجان إلى العمل لتطوير العقليات.

وشاءت المصادفة الزمنية أن تقام مراسم افتتاح المهرجان بعد ساعات قليلة من الموعد المقرر لصدور الحكم المرتقب في محاكمة النجم الفرنسي جيرار دوبارديو في باريس بتهمة الاعتداء الجنسي أثناء تصوير فيلم.

وتشهد الدورة الحالية حضورا كبيرا لنخبة الوسط السينمائي العالمي، بدءا من جولييت بينوش التي تتولى رئاسة لجنة التحكيم، وصولا إلى النجمين توم كروز وروبرت دي نيرو.

دي نيرو الحائز جائزة الأوسكار مرتين، والذي لم يفز شخصيا بأيّ جائزة في كان طوال مسيرته الفنية الممتدة أكثر من 60 عاما، يُمنح خلال هذه الدورة سعفة ذهبية فخرية يتسلمها الثلاثاء.

وبدأ نحو 40 ألف شخص من 160 دولة حصلوا على تصاريح لحضور المهرجان الوصول إلى الريفييرا الفرنسية والاستقرار في الفنادق الممتدة على طول جادة لا كروازيت، فيما يغطي نحو أربعة آلاف صحافي موجودين هذا الحدث السينمائي السنوي الأكبر من نوعه.

مكافحة العنف الجنسي ووضع حدّ للتمييز والعنف القائمين على النوع الاجتماعي تشكّل مَحاور ستشغل المهرجان

وعلّقت فرق قصر المهرجانات الأحد الملصقات الرسمية لهذه الدورة، ويظهر فيها الثنائي السينمائي الفرنسي جان لوي ترينتينيان وأنوك إيميه في فيلم “آن أوم إيه أون فام” Un homme et une femme الفائز بالسعفة الذهبية عام 1966.

وعزف موسيقيون لحن فيلم “ميشن إمباسيبل” Mission Impossible (مهمة مستحيلة)، إيذانا بأحد أبرز أحداث المهرجان الذي يستمر أسبوعين، وهو العرض الذي يقام الأربعاء للجزء الأخير من سلسلة الأفلام الشهيرة، ويتولى الدور الرئيسي فيه النجم توم كروز.

ويعبّر مهرجان كان السينمائي عن دعمه لأوكرانيا من خلال برنامج خاص يتضمن عروضا لثلاثة أفلام وثائقية، وفق ما أوضحه المنظمون.

وأوضح هؤلاء أن “هذا البرنامج يُذكّر بالتزام مهرجان كان السينمائي وقدرته على تناول قضايا العالم من خلال السينما.” في خضمّ تزايد النزاعات وبروز أنظمة استبدادية.

وانطلق المهرجان بعرض لفيلم النجمة جولييت أرمانيه “بارتير آن جور” Partir un jour، الذي تبدأ عروضه في دور السينما التجارية بالتزامن مع فترة المهرجان.

ويشمل برنامج الأيام التالية من المهرجان عروضا لأكثر من مئة فيلم.

ويتنافس في مسابقة المهرجان 22 فيلما، من بينها فيلم “جون مير” Jeunes mères للأخوين البلجيكيين جان بيار ولوك داردين، المتخصصين في الأفلام الاجتماعية والساعيين إلى الفوز بالسعفة الذهبية للمرة الثالثة، و”ألفا” Alpha للمخرجة الفرنسية جوليا دوكورناو التي استعانت بطاهر رحيم وغولشيفته فرحاني وتأمل في الحصول على لقب ثان بعد نيلها الأول عن “تيتان”.

وفي المسابقة أيضا حيّز للتجديد، من خلال مخرجين يشاركون في المهرجان للمرة الأولى، كالصيني بي غان، والأميركي آري أستر بفيلم “إدينغتون” Eddington، وهو وسترن بطابع عصري، مع يواكين فينيكس وبيدرو باسكال، والفرنسية من أصل تونسي حفصية حرزي بفيلم “لا بوتيت ديرنيير” La Petite Derniere. وجميع هؤلاء ثلاثينيون ويشاركون للمرة الأولى في المسابقة.

وفي موازاة العروض السينمائية، ينظم معرض ضخم في مختلف أنحاء المدينة لصور لم يسبق نشرها، عن الممثل الفرنسي الكبير آلان دولون الحائز السعفة الذهبية عام 2019 والذي توفي في أغسطس الماضي، والنساء اللواتي كنّ إلى جانبه طوال مسيرته الفنية.

 

العرب اللندنية في

14.05.2025

 
 
 
 
 

واصفًا إياه بـ «رئيس أمريكا المتعجرف» .. روبرت دي نيرو ينتقد ترامب بشده في خطاب تسلمه سعفة «كان» الذهبية الفخرية من دي كابريو

كان ـ «سينماتوغراف»

قدّم ليوناردو دي كابريو مساء اليوم الثلاثاء لزميله النجم الكبير روبرت دي نيرو جائزة السعفة الذهبية الفخرية في حفل افتتاح مهرجان كان السينمائي لعام 2025.

صعد الممثل البالغ من العمر 50 عامًا على خشبة المسرح لتقديم الجائزة للنجم الأيقوني البالغ من العمر 81 عامًا، والذي استلمها أمام شريكته، تيفاني تشين، وابنته هيلين.

أشاد دي كابريو بدي نيرو واصفًا إياه بـ"الممثل النموذجي"، كما أشاد بالممثل البالغ من العمر 81 عامًا - وهو ناقد شرس للرئيس الأمريكي دونالد ترامب - "لنضاله من أجل ديمقراطيتنا".

وعندما وقف الجمهور لتصفيق مطول لدي نيرو، سلمه دي كابريو السعفة الذهبية. قال دي نيرو: "شكرًا لك يا صغيري".

بعد شكر المهرجان، التفت دي نيرو إلى دونالد ترامب، الذي صرح مؤخرًا برغبته في فرض رسوم جمركية على الأفلام المنتجة خارج الولايات المتحدة.

وفي خطابه، انتقد روبرت دي نيرو دونالد ترامب بشدة، واصفًا إياه بـ "رئيس أمريكا المتعجرف".

وقال دي نيرو: "الفن هو الحقيقة. الفن يحتضن التنوع. ولهذا السبب يُشكل الفن تهديدًا للمستبدين والفاشيين في العالم".

وتابع قائلاً : "لقد عيّن الرئيس الأمريكي المتعجرف نفسه رئيسًا لإحدى أبرز المؤسسات الثقافية الأمريكية. لقد خفض التمويل والدعم للفنون والعلوم الإنسانية والتعليم. والآن أعلن عن فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الأفلام المنتجة خارج الولايات المتحدة. لا يمكن وضع سعر للاتصالات."

وقال روبرت : "بالطبع، كل هذه الهجمات غير مقبولة، وهذه ليست مشكلة أمريكية فحسب، بل مشكلة عالمية. وكما هو الحال في الأفلام، لا يمكننا جميعًا أن نجلس مكتوفي الأيدي ونشاهد".

وأضاف : "علينا أن نتحرك الآن. بدون عنف، ولكن بشغف وعزيمة كبيرين. لقد حان الوقت لكل من يهتم بالحرية أن يحتج، وعندما تُعقد انتخابات، أن يُصوّت بالطبع. الليلة، وعلى مدار الأحد عشر يومًا القادمة، نُظهر قوتنا والتزامنا احتفاءً بالفن في هذا المهرجان الرائع."

 

####

 

كوينتين تارانتينو يعلن افتتاح الدورة الـ 78 لـ «مهرجان كان السينمائي»

كان ـ «سينماتوغراف»

توافد عدد كبير من نجوم عالم السينما، بمن فيهم روبرت دي نيرو وليوناردو دي كابريو وكوينتين تارانتينو، على مهرجان كان السينمائي مع انطلاق فعاليات دورته الثامنة والسبعين في الريفيرا الفرنسية مساء اليوم الثلاثاء.

سترتفع التوقعات لمهرجان كان السينمائي الذي قد يكون مميزًا هذا العام. ويبدو أن جميع العناصر - نخبة من النجوم، وكبار المخرجين، والمؤامرات السياسية - جاهزة.

وعلى مدار الاثني عشر يومًا القادمة، سيستضيف مهرجان كان عروضًا أولى ضخمة لأفلام مثل "مهمة مستحيلة - الحساب الأخير"، و"أعلى إلى أدنى" للمخرج سبايك لي، و"إدينغتون" للمخرج آري أستر.

تجنب دي كابريو السجادة الحمراء، لكنه حظي بتصفيق حار من الحضور عندما قدّم له جائزة السعفة الذهبية الفخرية. جاءت هذه اللحظة، التي جمعت اثنين من أشهر نجوم مارتن سكورسيزي، بعد 49 عامًا من فوز فيلم "سائق التاكسي" بجائزة السعفة الذهبية.

حضر حفل الافتتاح، الذي سبق العرض الأول للفيلم الرومانسي الفرنسي "ارحل يومًا ما" لأميلي بونين، تارانتينو، الذي خرج ليعلن افتتاح المهرجان بفخر، ثم ألقى الميكروفون على الفور وغادر المسرح.

يوم غد الأربعاء، سيُكرم تارانتينو مخرج أفلام الغرب الأمريكي جورج شيرمان. كما سيحضر: شون بيكر، مخرج فيلم "أنورا" والحائز على السعفة الذهبية العام الماضي.

اختتمت مراسم الافتتاح يومًا حافلًا في مهرجان كان السينمائي، تضمن عرض ثلاثة أفلام تكريمًا لأوكرانيا، وتقديم لجنة التحكيم التي ستقرر جائزة السعفة الذهبية، برئاسة جولييت بينوش، والعرض الأول لنسخة مُرممة من فيلم "حمى الذهب" لتشارلي شابلن بمناسبة الذكرى المئوية لانطلاقه.

 

####

 

مراجعة  Leave One Day

فيلم افتتاح كان الـ 78 يحمل في طياته حنينًا إلى الماضي

كان ـ خاص «سينماتوغراف»

في عالم السينما، تُعتبر أفضل الوصفات المحفوظة خالدة لأن المشاعر الإنسانية تنبع جميعها من مصدر واحد، لكن يبقى مزجها بذوق وفن، كما يتضح ببراعة في أول فيلم روائي طويل لأميلي بونين، Leave One Day ، الذي افتتح مهرجان كان السينمائي الثامن والسبعين خارج المسابقة.

يتخذ الفيلم شكل مسرحية موسيقية ريفية تُضفي عليها هذه المخرجة الشابة نضارة لا تُقاوم، مستغلةً برقة وترًا عاطفيًا حساسًا، ومتلاعبةً ببراعة برموز هذا النوع الفني المتعددة دون أي تكلف.

قبل أسبوعين من افتتاح مطعمها الخاص، شجع شريك حياتها وعملها، سفيان (توفيق جلاب)، سيسيل (جولييت أرمانيه)، الطاهية التي اشتهرت بفضل برنامج تلفزيوني شهير، على السفر إلى الريف لبضعة أيام للإقامة مع والديها (فرانسوا رولين ودومينيك بلان) لأن والدها - الذي تربطها به علاقة متوترة - أصيب بنوبة قلبية ثالثة.

لكن الرحلة تزداد تعقيدًا بعد اكتشاف تُخفيه سيسيل، إنها حامل. ثم تأتي معاناة لمّ شملها مع أصدقائها القدامى، ومن بينهم حبيبها المراهق السابق، رافائيل (باستيان بويون) ..

جميع المكونات التقليدية متوفرة لما قد يكون ميلودراما (التعايش مع اقتراب وفاة والدها، والحنين إلى مرور الزمن وشبابها وهو يتلاشى)، أو كوميديا اجتماعية (خجل مدفون من مكان نشأتها، والفرق الشاسع بين الحياة في الريف، بنواديه الليلية ودراجاته النارية وإصداراته المليئة بالخمور، وبين الحياة التي تحتاج إلى بناءها في مكان آخر)، أو فيلم عن عودة حب سابق.

يعتمد ابتكار طبق مميز بلمسة شخصية على اختيار الكميات المناسبة، وبينما تدفع ببطلتها إلى هذا الصدع الزمني، تُحقق المخرجة الفرنسية (التي كتبت السيناريو مع ديمتري لوكاس) التوازن المثالي وتجد الوتيرة المناسبة، فتدير فيضًا من المشاعر الوجودية دون أي تلميح إلى الصرامة، بل تُعبّر عن المشاعر من خلال كلمات اثنتي عشرة أغنية تُعزز الفيلم بقوة وتُدمج بشكل مثالي في القصة.

لأنه، نعم، هذا فيلم موسيقي بكل ما للكلمة من معنى، جرعة سحرية حقيقية تتخللها أغاني فرنسية شهيرة (ستروماي، ميشيل دلبيش، داليدا، سيلين ديون، أكسيل ريد، بينابار، آر إس كيه، كلود فرانسوا، كي-مارو، كلود نوغارو، 2Be3) أُعيد تقديمها بالكامل، مما أضفى على الفيلم سيلاً من الترابطات المفاجئة الممزوجة بالفكاهة والمودة، خلف ذريعته المضللة المتمثلة في رحلة مباشرة إلى الريف.

ينضح الفيلم برائحة آسرة، مع نفحات من الحنين إلى الماضي وبهجة الحياة، والدموع والضحك، والأصالة والنماذج الأصلية.

قد يكون هناك أحيانًا لقطات باردة تحاول إنكار الجرأة والتحكم والوضوح والإخلاص في هذا الفيلم الروائي الطويل الأول، ولكن يمكن القول إن Leave One Day تجربة جميلة لأولئك الذين يعرفون كيف يتركون أنفسهم ويتناغمون مع مشاعرهم العاطفية.

 

موقع "سينماتوغراف" في

14.05.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004