ملفات خاصة

 
 
 

مهرجان كانّ:

نسور طارق صالح ترفرف حول السيسي ولا تحلّق

هوفيك حبشيان - كانّ - "النهار"

كان السينمائي الدولي

الثامن والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

بعد أن كسب عداء النظام المصري وصنع فيلمين تصدّت لهما الأجهزة الأمنية، يعود المخرج السويدي المصري طارق صالح إلى مهرجان كانّ (13 - 24 أيار)، ويبدو أنه قرر أن يتجاوز هذه المرة كلّ التوقّعات… نحو الأسوأ.

"نسور الجمهورية" هو الفيلم الذي كان يُفترض أن يكون قنبلة سياسية، مختتماً به "ثلاثية القاهرة"، التي أطلقها مع استهداف المؤسسة الأمنية في "حادثة النيل هيلتون"، وواصلها مع المؤسسة الدينية في "ولد من الجنة". إذا كان الجدال قد أثير سابقاً بسبب اقتحام مناطق محرّمة، فإن "نسور الجمهورية"، بمحاولة انقضاضه على المرجع السياسي الأعلى في مصر، يثير الأسف، على نحو لا نعرف ماذا أراد صالح من الشأن الذي تناوله. المؤكّد أن فيلمه لا يليق لا بالمسابقة، ولا حتى بعروض منتصف الليل، ولا بأي برنامج يأخذ السينما على محمل الجد.

يعيد الفيلم تدوير علل فيلمه السابق: بنية مفكّكة، سيناريو ساذج، شخصيات ورقية، وأداء تمثيلي لا يعرف في أي قارة يعيش. وكأن صالح قرر أن يثبت لنا أن النجاح والتوفيق لا يُلزمان صاحبهما بالمراجعة، بل قد يثبّتانه في مكانه ليعيد إنتاج ما ظنّ أنه أصاب فيه.

يفتتح الفيلم بجنريك قد يكون تحية لتاريخ السينما المصرية، ثم يدخل سريعاً في قصّة جورج فهمي (فارس فارس)، ممثّل قبطي، نجم أفلام شعبية رديئة (منها واحد عن أول مصري صعد إلى الفضاء!)، يُطلب منه فجأةً تجسيد شخصية عبد الفتّاح السيسي في عمل غامض لا نعرف طبيعته (لكن يمكن التخيل انه يتناول كيف انقذ البلاد من براثن الأخوان المسلمين)، ونكتشفه تباعاً خلال عملية التصوير تحت أعين الأمن الساهر على التفاصيل كافة. السيسي معروف بقصره، بينما فارس فارس طويل بشكل لافت ولا يشبهه، لكن الفيلم الذي يُنجَز عنه لا يعنيه التطابق. سيكون هناك ثلاثة "سيسيات" في الفيلم: هو نفسه (صور أرشيف)، فارس فارس، وممثّل يلعب دوره عندما يطل علينا باعتباره السيسي الحقيقي!

مصر في الفيلم ليست سوى شوارع مزينة بلافتات الريس. والحوارات تعلوها خطب وعظية وتنظير أخلاقي. في مشهد، تطلب موظّفة الرقابة من جورج وفريق فيلمه ألا يصنع "فيلماً فيه حرام"، وفي آخر، تذكّره السيدة المحجّبة نفسها بأن "الرئيس مؤمن… ومؤمن بربنا". هذه ليست حوارات، بل منشورات فايسبوكية ركيكة مكتوبة بحماسة اللحظة.

لا شيء في الفيلم يُقنعك بأنك في مصر. البيئة مصطنعة، اللهجات هجينة، الوجوه تمدك بإحساس بالزيف. ثم تأتي الشخصيات: ممثّلون من أصول لبنانية، فلسطينية، جزائرية، مغربية. وكأن صالح دعا إلى اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية. لا أحد منهم يبدو مصرياً، لا حركةً ولا نطقاً. العرب "يقفرون" المصري عن بُعد كيلومتر. أما المصريون القلائل الذين ظهروا في الفيلم، وفي مقدّمهم عمرو واكد، فهجروا بلادهم منذ سنوات. طارق صالح نفسه، لا تزال علاقته باللغة كأنها واجب مدرسي ثقيل. وذكراه عن مسقطه صدى بعيد.

الحوارات تمتلئ بمراجع تقفز كالقنابل الدخانية في وجه المُشاهد: شكسبير؟ لا، الشيخ زُبير. القذافي؟ جلسات "تحشيش". الرغبة؟ الرجل العربي المخصي. كلّ شيء اختزالي، لكنه ساخر من الخارج، من مكان آمن لا يلامس حقيقة ما يسخر منه. وكأن الفيلم مصمَّم خصيصاً ليتوافق مع المزاج الغربي، حيث ان هذه الجمل تُضحك لأنها تؤكّد الصور النمطية الجاهزة.

السيناريو مفكّك ولا علاقة عضوية بين المشهد وما يليه. كان الأجدى بصالح ان يطوّر نصّه المكتوب في ورش خاصة. ما يمر أمامنا، مجرد مشاهد ملقاة على الشاشة. ثم، مَن قال لهذا المخرج ان العفوية في التمثيل هي ان تدخل الشخصية إلى المشهد وهي تتحدّث في الهاتف على نحو نسمع آخر كلماته، فنعتقد ان الكاميرا باغتته؟

حتى حين يحاول الفيلم أن يقول شيئاً عن قمع النظام أو الفنّ الخاضع للرقابة، فإنه محكوم بألا يقول شيئاً. دسائس، مؤامرات، ابتزاز، ضغوط، قوائم سوداء… هذه ممارسات تجدها في أنظمة كثيرة مشابهة للنظام المصري. أين الجديد؟ الواقع المصري أكثر عنفاً وتعقيداً من هذا بكثير. لذلك، يصبح الفيلم في النهاية أقرب إلى تبييض صفحة النظام لا فضحه، لأنه لا يكشف أي شيء خاص به يميزه عن سائر الديكتاتوريات العسكرية.

اذا تمسكتُ بقسط من السخرية، أمكن القول ان المتفرج قد يتعاطف مع السيسي! تقديم نظام بلمسة فنية "لايت"، مغلّفة بروح ليبيرالية تعتبر أن الحديث عن الفنّ أهم من أي شيء آخر، يُعدّ خيانة لضحاياه. حتى عندما يلمّح إلى ظاهرة "تعريص" النجوم، لا يذهب إلى أي مكان فعلي. يذكرها، ثم يمرّ، كمن أشار إلى جرح من دون أن يقترب منه فعلاً.

لكن، ما هو الشأن الذي يتحدّث عنه "نسور الجمهورية"؟ عن السيسي؟ بالكاد. عن الإخوان؟ لا. عن جورج؟ لا أعتقد ذلك. عن الفنّ الخاضع للسلطة؟ ربما، ولكن على استحياء. هذا فيلم عن كلّ شيء، الى درجة أنه لا يصير عن شيء. حتى خاتمته المفترض أنها ذروة الفيلم (استعراض 6 أكتوبر)، تفشل فشلاً ذريعاً

ربما الشيء الإيجابي الوحيد في التجربة، هو نشوء هذا التيار السينمائي المعارض الذي يأتي من خارج العالم العربي. أفلام تسمّي الأشياء بأسمائها. لكن المشكلة المزمنة تبقى: الابتعاد عن المصدر، وفقدان اللمسة الأصيلة. النتيجة؟ أعمال تعاني من انفصام في الرؤية، وتُعرض في مهرجانات غربية كبرى، لكنها لا تمسّ قلب الواقع العربي فعلاً.

 

####

 

كانّ 78 - "كارافان": حكاية ابن وسردية أمومة

هوفيك حبشيان - كانّ - "النهار"

بعد انقطاع دام ثلاثة عقود، تعود السينما التشيكية إلى مهرجان كانّ السينمائي (13 - 24 أيار) عبر قسم "نظرة ما"، حاملةً معها "كارافان"، أولى تجارب المخرجة الشابة سوزانا كيرشنيروفا، تطرح فيه موضوعَي التوحّد ومتلازمة داون ببساطة متقنة، وبأسلوب يستهدف الجمهور الواسع من دون أن يتخلّى عن ثوابت سينما المؤلف.

هي قصّة أم عزباء (أنّا غايسلوروفا) وابنها (دافيد فودسترسيل) المصاب بالتوحّد. يصلان إلى منزل أصدقاء لقضاء عطلة الصيف، لكن سرعان ما يتبدّى أن الابن غير مرغوب فيه، لا سيما من ابنتَي الزوجين المضيفين. فتغادر الأم المكان، لتنطلق مع ابنها في رحلة بالكارافان، حيث تفتح الحرية لهما أبواب الاكتشاف وتعدّد الفرص. وما إن تمر الدقائق الأولى، حتى يتحوّل الفيلم إلى "رود موفي" يجوب أنحاء إيطاليا، كاشفاً عن طبيعتها البكر البعيدة من مراكز الجذب السياحي وصورها "الكارتبوستالية". خلال هذه الرحلة، تقود المصادفة الأم للتعرف إلى امرأة من جيلها (جوليانا بروتوفسكا)، تعيش حياتها خارج الأطر التقليدية، "بلا سقف ولا قانون"، على غرار عنوان فيلم شهير لأنييس فاردا.

ستغدو هذه المرأة بوابة إلى عالم غير مألوف بالنسبة الى الأم: عالم التسكّع واللاوجهة، حيث تُترَك الأمور للمصادفات كي تحدّد الطريق. ومع توالي الأحداث وتعزّز العلاقة بين السيدتين، ينشأ نوع من التعلّق بين الابن وهذه المتمردة؛ يرى فيها الشاب ذو الاحتياجات الخاصة، نموذجاً محايداً، خياراً لم يُفرض عليه.

نحن أمام فيلم خفيف وعذب، تنساب مشاهده في هواء طلق لا يحجب لحظات التأمّل العميقة في تقلبات الحياة، بين جدّيتها المرهقة ورغبة دفينة في الهروب منها. غير أن ما يمنح الفيلم سحره، سرعان ما يكشف أيضاً عن حدوده: فمثلاً، اختيار مواقع التصوير في إيطاليا الريفية، حيث الفراغ البشري حاضر في المشهد كما في الشعور، يبدو متماهياً مع جوّ الحكاية، لكنه لا يكفي للحفاظ على الإيقاع حتى الدقيقة السبعين في فيلم يمتد إلى 110 دقائق. إذ يبدأ الإحساس بالتكرار، ويخيّم شعور بأن الحكاية تراوح مكانها.

الفيلم في جوهره حكاية ابن، لكنه في الوقت ذاته سردية أمومة، تستحضر من جديد سؤال التضحية الأمومية، لا كمحور للنقاش، بل كمسلّمة: هل يتعين على الأم أن "تتوقّف" عن الحياة، أن تتخلّى عن حاجاتها الجسدية والعاطفية لتكرّس وجودها بالكامل لطفلها الذي هو في أمسّ الحاجة إليها؟ هذا السؤال لا يطرحه الفيلم صراحةً، بل يمرّره بخفّة، من خلال الاعتماد على حساسية المُشاهد ولمحات الدعابة المرة.

نقطة التحوّل تأتي حين تضطر الأم إلى البحث عن عمل، فتطلب المساعدة من شاب إيطالي، وسرعان ما تتطوّر العلاقة بينهما. من هنا، يتسلّل التوتّر بين واجب الرعاية ورغبة الذات.

يتعامل الفيلم مع بعض التفاصيل الحسّاسة بعين تقدّمية ومقاربة مختلفة عن السائد، ويظهر ذلك بوضوح في مشاهد مفتاحية. من أبرزها مشهد تستجيب فيه الأم لرغبة صاحب مزرعة، وتقبل بممارسة الحبّ معه. مشهد يبدو عادياً، لولا أن صديقتها الجديدة ستعتبر هذا التصرّف خضوعاً، وتفسّره كرضوخ لقوة ذكورية. لكن الفيلم يقدّم هنا نقداً لاذعاً لنزعة سائدة في بعض القراءات المعاصرة، التي تميل إلى تصنيف كلّ مبادرة من الرجل على أنها تحرّش أو محاولة هيمنة.

أما المشهد الآخر (أو بالأحرى سلسلة مشاهد)، فهو ذلك الذي يخيّل للمُشاهد فيه أن الشاب الذي لجأت إليه الأم طلباً للعمل سيستغلّها جنسياً، كما تمهّد له كثير من الحبكات التقليدية، غير أن الفيلم يفاجئنا، ويمتنع عن الانجرار وراء هذه الكليشيهات. وبهذا، يرسم العمل لنفسه خطاً رافضاً لإملاءات "السينما الملتزمة" بتطلّعات العصر الجديد.

يلاحظ أيضاً أن بطلة الفيلم، بشعرها الأشقر وبشرتها البيضاء، تفرض تصوّرات نمطية معينة لطبيعة تعامل الآخر معها. فلو كانت سمراء أو ذات خلفية أفريقية، يصعب تخيّل السياق نفسه أو ردود الفعل ذاتها تجاهها. هذه الملاحظة لا تمر مرور الكرام، وتفتح باباً لتساؤلات حول تمثيل الامتيازات الطبقية والعرقية في السينما، حتى حين تحاول هذه السينما أن تكون بديلة.

ورغم هذا، وجدتُ نفسي أطرح سؤالاً متكرراً طوال المشاهدة: ماذا يريد الفيلم أن يقول لنا؟ وإلى أين تأخذنا المخرجة؟ إذ يبدو أن همّها ليس في خلق صراع واضح أو أزمة تقلب مسار الأحداث، بل الاكتفاء بتأملات داخلية كامنة في الشخصيات، تظل في أغلبها غير مطروقة. المشكلة أن هذه التأملات لا تتطوّر، ولا تتحوّل إلى صدام أو عقدة تفرض نفسها، مما يجعل الفيلم يفتقر إلى "الذروة" أو حتى الحافز السردي.

ثمة فجوة أخرى: الشخصيات تظلّ سطحية إلى حدّ كبير، فلا ندخل إلى عمقها كما ينبغي، ولا نعرف عنها ما يكفي كي نبني رابطاً معها. إنها تظهر وكأنها ظلال تتحرك على الشاشة، وخصوصاً شخصية الابن، الذي ينزلق تدريجياً إلى خلفية الحكاية، كمجرد مرافِق في الرحلة. لا نرى له تطلّعات مستقبلية، فقط حاضرٌ هشّ، معلّق بعجلات الكارافان التي تمضي به في طرق لا نعرف إلى أين تفضي.

 

####

 

نساء أسيرات اضطرابات نفسية في مهرجان كانّ

هوفيك حبشيان - كانّ - "النهار"

في الدورة الحالية من كانّ، برز فيلمان يتناولان العنف النفسي من منظور أنثوي معقّد، يفكّكان الأمومة، الرغبة والاضطراب الداخلي وسط العزلة الريفية الموحشة.

الاسكتلندية لين رامزي كانت منتظَرة هذا العام في مهرجان كانّ السينمائي (13 - 24 أيار) أشد انتظار. هي التي تركناها على الكروازيت في 2017 بعد آخر أفلامها، من دون ان نراها مجدداً، فرحنا لها عندما أُضيف جديدها في اللحظة الأخيرة، وها انها تكشف عمّا يدور في مخيلتها من خلال "مت، حبيبي" (مسابقة)، دراما نفسية مقتبسة من رواية للأرجنتينية أريانا هارفيتش. فيلمها هذا يخض، بصرياً ونفسياً. مكثّف، سوداوي، عاطفي… مجدداً، تختار رامزي “الصعوبة”، الشيء الذي عودتنا عليه منذ بداياتها في مطلع القرن الحالي. يستند الفيلم إلى الممثّلة جنيفر لورنس، التي تتجاوز نفسها هنا لإتاحة المجال لمخرجتها في النبش عميقاً في تضاريس النفس الأنثوية، حيث تتداخل الرغبات المكبوتة مع الأسى الداخلي، وتتماهى الأمومة مع الخوف، في سرد بصري ينأى عن المباشرة ويعتمد الإيحاء والتشظّي. طوال ساعتين، سنعيش كثيراً على وقع الضربات المسرحية، يرافقها تشويق ومفاجآت وصدام متواصل، مع كمية هائلة من العنف النفسي والأذى الجسدي. الواقع كابوس والزمن دوامة في هذا الفيلم لرامزي.

يتابع "مت، حبيبي" حكاية غرايس (لورنس) التي تعيش في وسط طبيعة معزولة، برفقة زوجها (روبرت باتينسون) وطفلهما. الصورة الأولى قد توحي بحياة هادئة ومثالية، لكن السرد ينكشف بسرعة على قلق داخلي متصاعد. فغرايس كاتبة (لن نراها تكتب)، لكنها تعاني عزلة روحية وجسدية خانقة ولا يبدو ان أحداً قادر على مساعدتها. علاقتها بجسدها مضطربة، اذ ان حاجتها إلى الجنس كبيرة جداً، شأنها شأن علاقتها العاطفية، وتعيش في ظلّ فوضى نفسية تزداد تعقيداً مع تقدّم الأحداث، وصولاً إلى الخاتمة الباهرة.

الفيلم يحطّم التسلسل الزمني المنطقي، اذ ان القصّة لا تسير على خط مستقيم، بل تتفكّك ويُعاد صوغها بمونتاج ذكي، يجعل الزمن يبدو كأنه مرآة مشروخة لما يعتمل في النفوس. كلّ مشهد يشير إلى حاضر مرتبك أو ماضٍ غير مكتمل. هذا النمط السردي لا يشتّت، إنما يخدم الغرض: الدخول في لاوعي امرأة تعيش صراعاً داخلياً معقّداً لا يمكن التعبير عنه بالكلمات وحدها. لا يخفي الفيلم تأثّره بأجواء الرعب النفسي، حيث تصبح الأمومة مساحة للتساؤل. الرعب هنا نفسي في الدرجة الأولى، يتجسّد في شعور متصاعد بالقلق، تنقله الكاميرا بمعالجة بصرية غاية في التعقيد. نحن حيال فيلم يتنفّس سينما 24 لقطة في الثانية، سواء أحببناه أم لا.

الأمومة من صميم الفيلم، لا بصفتها البيولوجية، إنما كعلاقة غير محسومة بين الحبّ والنفور. هناك فجوة غامضة تفصل الأم عن طفلها، وكأن بينهما شيئاً يحول دون قيام الرابط العاطفي الطبيعي. في هذا الإطار، يضيء الفيلم على اضطراب نادراً ما يُناقَش بصراحة في السينما: اكتئاب ما بعد الولادة الذي يحضر ككابوس داخلي، ككتمان مؤلم يلتهم المرأة من الداخل، يجعلها ترى نفسها غريبة في جسدها وعن مشاعرها.

تقدّم لورنس أداءً بالغ التعقيد. تقمّصها لشخصية تتأكلها التناقضات، يرسّخ مكانتها كممثّلة قادرة على تولّي أدوار صعبة تضع فيها من ذاتها، من دون الوقوع في الميلودراما. معها، الفيلم يجد نفسه دائماً على الحافة، كأن كلّ شيء يعاني من انهيار وشيك. البيت المعزول لا يقدّم الطمأنينة، بل يصبح مسرحاً لحالة من الانفجار العاطفي. مع تصاعد التوتّر، يقترب الفيلم من لحظة الانفجار، حيث تتداخل الرمزية مع الواقع، ويصبح الدم والنار ترجمة حسيّة لفوضى داخلية عارمة.

******

فيلم آخر،"لتكن مشيئتك"، للفرنسية من أصل بولندي جوليا كوفالسكي، عُرض في قسم "اسبوعا صنّاع السينما"، يتقاطع مع عمل رامزي على مستوى العنف النفسي. قرية فرنسية موحشة، لا يبدو فيها شيء حيّ سوى أنين المواشي. في هذه العزلة الريفية، تشكّل الطبيعة خلفية نفسية وشعورية لقصّة فتاة تُدعى نافو (ماريا فروبل)، تخوض صراعاً حاداً مع جسدها ورغباتها وذاكرة أمّها الراحلة.

تظن نافو أنها ورثت عن والدتها قدرات خارقة لا تظهر إلا مع احتدام الرغبة. هذه الهبة الغامضة لا تُمنح لها كامتياز، انها ثقل تحمله بصمت، محمّلة بالخجل والخوف والارتباك. فبينما تعيش مع والد قاس وأخوين متسلطين، يتجسّد غياب الأم كجرح، طيفها حاضر في الأحاديث، لكن حضورها الحقيقي مفقود، تاركةً ابنتها تواجه العالم وحدها.

لا يسعى الفيلم إلى تفسير هذه الظواهر الخارقة، بل يتعامل معها كاستعارات نفسية. الرغبة هنا قوة صادمة تربك البطلة وتدفعها لاكتشاف ذاتها والتمرد على واقعها. دخول شخصية ساندرا (روكسان مكسيدا)، الفتاة الثائرة، يشكّل لحظة فاصلة في حياة نافو، إذ تثير في داخلها شهوة مكبوتة وانفعالاً عاطفياً، يخرجان على شكل تصرفات غرائبية تصاعدية.

ما يبدو للوهلة الأولى قصّة عن مراهقة مضطربة، يتحوّل تدريجياً إلى تأمّل في الأمومة الغائبة، الهوية الممزّقة والاغتراب داخل الجسد. لا إجابات واضحة، فقط شعور غامر بالضياع والتوق، والرغبة في التحرّر من إرث ثقيل لا يعرف كيف يُحمل أو يُفهم.

كوفالسكي التي تستمد الكثير من خلفيتها البولندية، تحقن الفيلم بمزاج سوداوي يتقاطع مع الروح الغيبية. يتردد في الخلفية صدى السحر، الإيمان القديم والارتباط الغريزي بالطبيعة، لكن ذلك كله يبقى موظَّفاً لرسم خريطة نفسية لشابة تبحث عن نفسها، وعن مكانها في هذا العالم. هذا فيلم عن القلق الوجودي حين يختلط بالرغبة، وعن الحزن حين يتجذّر داخل الجسد، وعن تلك العلاقة الغامضة والمؤلمة التي تربط الفتاة بأمّ لم تعد هنا، لكنها لا تزال تحكم حاضرها.

 

النهار اللبنانية في

20.05.2025

 
 
 
 
 

"نسور الجمهورية" فيلم سطحي يحط في مهرجان كان

المخرج السويدي المصري طارق صالح يتعثر في معالجة قضيته ويقع في التغريب السياسي

هوفيك حبشيان 

ملخص

يقدم المخرج السويدي المصري فيلمه الجديد "نسور الجمهورية" في مهرجان كانّ في إطار المسابقة. يعاني الفيلم حالاً من الخلل الفني والسياسي.

من "حادثة النيل هيلتون" إلى "ولد من الجنة"، رسم المخرج السويدي المصري طارق صالح لنفسه صورة سينمائي معارض، لا يساوم ولا يداري. هذه الصورة راقت للغرب، واستفزت النظام المصري، وفتحت لطارق صالح أبواب المهرجانات الدولية. كل شيء كان يعد بمسيرة تصاعدية، تضعه في مصاف الأصوات السينمائية النادرة التي تملك الشجاعة لقول ما لم نعتده في العالم العربي. لكن صالح، مع فيلمه الأحدث "نسور الجمهورية"، يواصل سينماه السطحية التي تهتم بالقشور لا بالجوهر، في عمل أقلّ ما يُقال عنه إنه تعثّر فني وفكري، يفشل في أن يكون هجاءً سياسياً أو دراما ذات معنى. يختتم ما يعرّفه بـ"ثلاثية القاهرة" مواجهاً أعلى مرجعية سياسية في بلاده، بنتيجة لن تكون لصالحه.  

منذ اللحظة التي أُعلن فيها عن مشاركة الفيلم في مهرجان كانّ الثامن والسبعين (13 - 24 مايو/ أيار)، ارتفعت التوقعات. الفيلم الذي عُرض في اطار المسابقة، بدا وكأنه نسخة مشوشة من مشروع لا يجهل إلا ما يطمح إليه. حتى الفكرة ساذجة: فنان مصري شعبي يدعى جورج فهمي (الممثل السويدي اللبناني الأصل فارس فارس)، يُطلب منه أداء دور الرئيس عبد الفتاح السيسي في فيلم دعائي عن انجازاته. ترغب السلطة في الاستفادة من شعبيته. الممثل معارض للرئيس ولكن في الختام، يرضخ للضغوط والابتزاز. موضوع عمل الفنان تحت الضغط السياسي يحمل وحده بذور عشرات الأسئلة السياسية، النفسية، السينمائية، ولكن بدلاً من زراعة هذه البذور، يختار صالح رشّها بماء الكليشيهات والسهولة والتهافت. 

في لحظة عبثية، يُستدعى فيها لتجسيد الريس، رغم أن الفارق في الطول بينهما عشرون سنتيمتراً على الأقل. لكن الطول ليس المشكلة الوحيدة، بل ربما هو التفصيل الأكثر واقعية في فيلم لا يُقنعك بشيء. الطامة الكبرى، وهذه كانت مشكلة فيلمه السابق، أن صالح لا يقيم وزناً للمصداقية. تخيلوا أن معظم الممثلين قادمون من خارج مصر: لبنان، المغرب، فلسطين، الجزائر، السويد، هم أبناء الانتشار العربي وبناته ، وحتى المصريون الأقحاح الذين في الفيلم، كانوا قد غادروا بلادهم منذ زمن أو فقدوا اتصالهم بالشارع الذي يُفترض أن الفيلم يدّعي قول شيء عنه، فهذا هو الهدف من أي فيلم يحكي عن السلطة وممارساتها.

غربة عن مصر

مصر التي نراها في الفيلم مختصرة بالحد الأدنى، فطارق صالح لا يستطيع الذهاب إلى مصر كي يصور فيها كما يحلو له. الفيلم يحاول أن يلعب على فكرة "الفيلم داخل الفيلم"، فنرى جورج يؤدي مشاهد يفترض أنها جزء من فيلم السيسي، وأمامه ممثل يؤدي دور مرسي. مشاهد مغرقة في الكاريكاتورية. ثم ننتقل إلى الحوارات، لتدخل شخصية زوجة أحد الساسة التي تشرح لنا أن هناك عقدة جنسية لدى الرجل العربي. كل هذا يبدو وكأن الفيلم كُتب خصيصاً ليتوافق مع مزاج جمهور أوروبي وغربي.

يعاني الفيلم من خلل بنوي عميق، فيتنقل بين مواضيع كثيرة من دون أن يلتقط واحداً منها فعلاً. لا يرصد، لا يفسّر، لا يحلّل، ولا حتى يصدم. هو فقط يُلقي إشارات، كمن يوزّع بطاقات تعريفية على جمهور ليس لديه وقت للمزيد. 

بيد ان أخطر ما في "نسور الجمهورية" هو أنه، من دون أن يقصد، يُلمّع صورة النظام الذي يدّعي نقده. فما نشاهده طوال أكثر من ساعتين لا يختلف عن ممارسات أي نظام سلطوي منذ فجر البشرية. بل إن تصوير هذا النظام بهذا الشكل المختزل والركيك، لا يصب في مصلحة من عانوا منه. الواقع المصري أقوى بحيث يبدو الفيلم وكأنه نسخة لطيفة من أي كابوس يرزح تحته مواطن أو فنان.

الخاتمة، الغامضة وغير المفهومة، تأتي في استعراض 6 أكتوبر. مشهد كان من المفترض أن يكون قوياً، رمزياً، مفاجئاً… فإذا به امتداد لكل ما سبقه من ارتباك. لا لحظة صدمة، لا نهاية درامية، لا وضوح، فقط إحباط يتراكم إلى آخر الطريق. 

"نسور الجمهورية" مثال حيّ على الفصام: فيلم ينجزه معارض من الخارج مكتفياً بملامسة السطح، ظناً منه أن تناول موضوع كهذا يكفي لتصنيفه في عداد الشجعان. لكن كل مشهد في الفيلم يذكرنا بأن استعراض النوايا شيء وإنجاز عمل سياسي ذي تأثير، شيء آخر. من الواضح ان ملامح التيار السينمائي المعارض الذي بدأ يتكوّن منذ بضع سنوات خارج الدول العربية، لا تزال تصطدم بحاجز جوهري: الغربة عن الأصل. كلما ابتعد السينمائي عن واقعه، خسر شيئاً من دقّته ونظرته إلى الأشياء، وأحياناً من شرعيته. وهذا ما فهمه جيداً السينمائيون الإيرانيون المعارضون الذين ظلوا في بلادهم رغم كل ما تعرضوا له، لمناكفة السلطة وإنجاز أفلام كبيرة عنها. 

 

####

 

"سعفة كان" الفخرية تفاجئ دينزل واشنطن: أنا متأثر

انفعل على مصور حاول الإمساك بذراعه على السجادة الحمراء آمراً إياه بالتوقف

وكالات (أ ف ب)

ملخص

حصل الممثل الأميركي روبرت دي نيرو على جائزة السعفة الذهبية الفخرية عن مجمل إنجازاته التي أعلن عنها مسبقاً في حفل افتتاح المهرجان الأسبوع الماضي، حيث استخدم خطاب قبوله للجائزة في الدعوة إلى تنظيم احتجاجات مناهضة للرئيس الأميركي دونالد ترمب.

فوجئ الممثل الأميركي دينزل واشنطن بحصوله على جائزة السعفة الذهبية الفخرية في مهرجان "كان" السينمائي مساء أمس الإثنين، تقديراً لمسيرته الفنية المتميزة  وفق ما قال منظمو المهرجان.

وكان واشنطن (70 سنة) في جنوب فرنسا لحضور العرض الأول لفيلم "هايست تو لويست" للمخرج الأميركي سبايك لي، وهو مقتبس من فيلم "هاي أند لو" للمخرج الياباني أكيرا كوروساوا.

ويقوم واشنطن الذي انضم إليه على السجادة الحمراء النجمان المشاركان آيساب روكي وجيفري رايت، بدور ديفيد كينغ في فيلم الجريمة والإثارة، وهو العمل الخامس الذي يجمعه مع سبايك لي.

وقال واشنطن خلال التكريم "لقد كانت هذه مفاجأة بالغة بالنسبة إليّ، لذا أنا متأثر قليلاً، ولكنني أشكركم جميعاً من أعماق قلبي".

واشتبك النجم الأميركي مع مصور على السجادة الحمراء قبيل حصوله المفاجئ على جائزة السعفة الذهبية الفخرية.

وبحسب صور تلفزيونية، أمسك المصور بذراع واشنطن على السجادة الحمراء للحصول على انتباهه. ثم اقترب واشنطن من الرجل رافعاً إصبع السبابة وقال مراراً "توقف". وبينما كان واشنطن يحاول المغادرة، أمسك المصور بذراعه مرة أخرى، ومجدداً طلب منه واشنطن التوقف.

وتراوحت أدوار واشنطن الذي فاز بجائزتي "أوسكار"، السينمائية ما بين دور الناشط الأسود مالكوم إكس، ودور الطيار السكير البطل في فيلم "فلايت".

ونال واشنطن جائزة "أوسكار" الثانية له عام 2002 عن دوره في فيلم "تريننغ داي"، بعد فوزه الأول عام 1990 عن فيلم "غلوري".

وأخرج وقام ببطولة فيلم "ذا غريت ديبيترز" عام 2007 الذي يدور حول أستاذ قام بتدريب فريق للمناظرة من كلية أميركية للسود وقاده إلى المجد الوطني. كما أنتج وقام ببطولة الفيلم الدرامي "أنطون فيشر".

وحصل الممثل الأميركي روبرت دي نيرو على جائزة السعفة الذهبية الفخرية عن مجمل إنجازاته التي أُعلن عنها مسبقاً، في حفل افتتاح المهرجان الأسبوع الماضي، حيث استخدم خطاب قبوله للجائزة في الدعوة إلى تنظيم احتجاجات مناهضة للرئيس الأميركي دونالد ترمب.

ومن المقرر عرض فيلم "هايست تو لويست" في دور العرض السينمائية بالولايات المتحدة في الـ22 من أغسطس (آب) المقبل .

اشتبك النجم الأميركي الشهير دينزل واشنطن مع مصور على السجادة الحمراء في مهرجان كان السينمائي الدولي قبيل حصوله المفاجئ على جائزة السعفة الذهبية الفخرية.

 

الـ The Independent  في

20.05.2025

 
 
 
 
 

خيمة العرب

عبدالله القحطاني: "الجناح السعودي في كان يعكس نضج الصناعة وتنامي الفرص"

البلاد/ طارق البحار:

شهد جناح المملكة العربية السعودية في مهرجان كان السينمائي الدولي تحولًا نوعيًا يعكس نضج الصناعة السينمائية وتزايد فرص التعاون والاستثمار.

أشاد عبدالله بن ناصر القحطاني، الرئيس التنفيذي لهيئة الأفلام السعودية، بهذا التطور، مؤكدًا أن الجناح السعودي لم يعد مجرد مساحة تعريفية، بل أصبح منصة رئيسية لصنّاع الأفلام السعوديين والعرب ومركزًا لبحث سبل التعاون والاستثمار، واصفًا إياه بـ"خيمة العرب في كان".

شارك في الجناح جهات حكومية وخاصة تعكس مدى التعاون والتنسيق الذي توليه المؤسسات السعودية في سبيل تعزيز حضور السينما السعودية عالميًا، منها هيئة الأفلام، وزارة الاستثمار، الهيئة الملكية للعلا، مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، مجموعة قنوات MBC، إثراء، شركة نيوم، أفلام نبراس، Cinewaves، تلفاز 11، وArabian Pictures.

تضمنت فعاليات الجناح السعودي سلسلة من الأنشطة والندوات الحوارية، وجلسات حوارية وغيرها بحضور كبير.

 

####

 

بمهرجان كان 2025

ماريسكا هارجيتاي تكشف أسرارًا عائلية في "My Mom Jayne"

البلاد/ طارق البحار:

ظهرت النجمة الأميركية ماريسكا هارجيتاي، المعروفة بدورها في مسلسل "Law & Order: SVU"، برفقة زوجها الممثل بيتر هيرمان وأطفالهما الثلاثة على السجادة الحمراء في مهرجان كان السينمائي 2025، في ظهور عائلي نادر ومميز.

جاء هذا الظهور بمناسبة العرض الأول لفيلمها الوثائقي "My Mom Jayne"، الذي يمثل أولى تجاربها الإخراجية، ويُعرض ضمن قسم "كلاسيكيات كان".

يروي الفيلم قصة حياة والدتها، النجمة الراحلة جين مانسفيلد، ويكشف عن تفاصيل شخصية صادمة، حيث تكتشف ماريسكا أن والدها البيولوجي هو الفنان الإيطالي نيلسون سارديللي، وليس ميكي هارجيتاي الذي نشأت على يديه.

تألقت ماريسكا بفستان من تصميم كارولينا هيريرا، بينما ارتدى زوجها وأبناؤهما الثلاثة، أوغست (17 عامًا)، أندرو (11 عامًا)، وأمايا (12 عامًا)، أزياء أنيقة تناسب الحدث. يُذكر أن أوغست هو ابنهم البيولوجي، بينما تم تبني أندرو وأمايا في عام 2011.

من المقرر أن يُعرض الفيلم على شبكة HBO في 27 يونيو 2025، بعد عرضه في مهرجان تريبيكا السينمائي في 13 يونيو.

 

####

 

تكريم استثنائي للنجم الكبير بجائزة السعفة الفخرية

دينزل واشنطن يُكرَّم في كان.. لحظة مفاجئة ومؤثرة

البلاد/ طارق البحار:

في لحظة مؤثرة على السجادة الحمراء لمهرجان كان السينمائي 2025، تلقى النجم الكبير دينزل واشنطن مفاجأة غير متوقعة بتكريمه بجائزة السعفة الذهبية الفخرية، تقديرًا لمسيرته الفنية المتميزة. جاء هذا التكريم خلال العرض العالمي الأول لفيلم "Highest 2 Lowest" للمخرج سبايك لي، الذي يُعد خامس تعاون بينهما والأول منذ عام 2006.

الفيلم هو إعادة تصور حديثة لفيلم أكيرا كوروساوا الكلاسيكي "High and Low" لعام 1963، حيث تدور أحداثه في مدينة نيويورك المعاصرة. يجسد واشنطن دور ديفيد كينغ، منتج موسيقي شهير يواجه أزمة أخلاقية بعد اختطاف ابن عرّابه بالخطأ. يشارك في البطولة كل من جيفري رايت، إلفينيش هاديرا، وآيساب روكي.

أعرب واشنطن، البالغ من العمر 70 عامًا، عن تأثره العميق بهذا التكريم المفاجئ، قائلًا: "هذه مفاجأة كاملة بالنسبة لي، لذلك أنا عاطفي جدا الآن". وأضاف: "إنها فرصة رائعة للتعاون مع أخي مرة أخرى، أخي من أم أخرى سبايك، وأن أكون هنا مرة أخرى في كان" السينمائي.

قال دينزل بتأثر وهو يخاطب جمهور مهرجان كان: "نحن نخوض تجربة استثنائية حقًا؛ فمجرد قدرتنا على صناعة الأفلام، وارتداء البدلات الرسمية والملابس الأنيقة، والتعبير عن أنفسنا، بل والحصول على مقابل لذلك... أمر لا يُقدّر بثمن. نحن محظوظون بشكل لا يُقاس، وأنا محظوظ بشكل لا يُوصف. من أعماق قلبي، أشكركم جميعًا".

ويُعد فيلم Highest 2 Lowest وهو دراما أخلاقية معقدة تدور حول عملية فدية، إعادة تصور معاصرة للفيلم الكلاسيكي ويمثل هذا العمل خامس تعاون بين سبايك لي وواشنطن، والأول لهما معًا منذ ما يقرب من عشرين عامًا.

كما حصل في وقت سابق النجم روبرت دي نيرو على وسام فخري في وقت سابق من المهرجان. ومن بين الفائزين السابقين كلينت إيستوود وتوم كروز وجورج لوكاس وكاثرين دينوف وجين فوندا وجودي فوستر وهاريسون فورد ومايكل دوغلاس وميريل ستريب.

واشنطن، الذي درس في برنامج التدريب المرموق في سان فرانسيسكو في أواخر السبعينيات، يلعب حاليا دور البطولة في برودواي مقابل جيك جيلنهال في فيلم "عطيل" لشكسبير، لذلك كان من المقرر العرض الأول لفيلم "Highest 2 Lowest" يوم الاثنين - تقليديا يوم عطلة لإنتاج برودواي.

يُذكر أن "Highest 2 Lowest" سيُعرض في دور السينما بدءًا من 22 أغسطس، وسيكون متاحًا للبث عبر Apple TV+ في 5 سبتمبر.

 

البلاد البحرينية في

20.05.2025

 
 
 
 
 

أفلام الشباب تضخ دماء جديدة في مهرجان كان

المصري طارق صالح ينافس بفيلمه "نسور الجمهورية" ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان.

كان (فرنسا)يشهد مهرجان كان السينمائي منذ انطلاقه في الثالث عشر من الشهر الجاري موجة تغيير مدفوعة بمخرجين شباب ووافدين جدد إلى القطاع، تجلت بشكل كبير الاثنين مع عودة جوليا دوكورنو بعد أربع سنوات من فيلمها “تيتان”، فيما شهد المهرجان عرضا لـ”نسور الجمهورية”، وهو فيلم تشويق سياسي عن مصر للمخرج طارق صالح.

مواضيع جريئة وغير تقليدية يقدمها مخرجون شباب برؤى حالمة بمستقبل أفضل لأوطانهم وللبشرية، تتراوح بين السياسي والاجتماعي والطبي والثقافي وغيره، تكشف مدى انفتاح المهرجان على التجديد وسعيه ليكون منصة أكثر تنوعًا وشمولًا، تعكس تطورات صناعة السينما العالمية، وهو الذي يستقبل هذا العام 2909 أفلام من 156 دولة، ويفسح مجالا أكبر للمخرجات النساء للمشاركة في المسابقة الرسمية.

وبنيل “تيتان” السعفة الذهبية عام 2021، أصبحت دوكورنو ثاني مخرجة في التاريخ تحصد هذه الجائزة، بعد مرور ثلاثين عاما على فوز جاين كامبيون بها.

وتشارك المخرجة الفرنسية البالغة من العمر 41 عاما في المهرجان هذا العام بفيلم بعنوان “ألفا”.

وأوضحت هذه المخرجة، وهي ابنة والدين طبيبين، في مقابلة مع مجلة “فانيتي فير” أنها استلهمت عملها الجديد من وباء الإيدز في ثمانينات القرن العشرين. وقالت إن الفيلم يعكس “تفكيرا بشأن كيفية انتقال الخوف والتأثير الذي أحدثه ذلك على جيلي.”

وبحسب المعلومات النادرة التي تسربت عن الفيلم، فإنه يروي قصة الفتاة ألفا البالغة 13 عاما، وتؤدي دورها الممثلة الجديدة ميليسا بوروس.

ويلعب الممثل الفرنسي – الجزائري طاهر رحيم دور عمها الذي يصاب بفايروس غامض يحنّط ضحاياه. ويُعرف هذا الممثل بحبه الكبير للتحول على الشاشة من “Designe coupable”، الذي لعب فيه دور سجين في غوانتانامو، إلى “Monsieur Aznavour” عن المغني الراحل شارل أزنافور، وأيضا بانغماسه الكامل في أدواره. وقد فقد الكثير من وزنه من أجل دوره في الفيلم.

وتؤدي الفرنسية – الإيرانية غلشيفته فراهاني دور الأم العزباء لألفا، وهي طبيبة تعالج المرضى المصابين بأمراض قاتلة. وسبق للممثلة الإيرانية المنفية في فرنسا أن نافست في مهرجان كان، ولاسيما في فيلم “باترسون” للمخرج جيم جارموش.

وتُعرف المخرجة الفرنسية دوكورنو بأسلوبها الجريء والاستفزازي الذي يُلامس حدود الرعب والجسد والهوية. وهي أحد أبرز الأصوات في ما يُعرف بالسينما الجسدية الحديثة (body horror)، وقد أثارت أفلامها ضجة نقدية وجماهيرية في العالم، حيث تعتمد على تصوير تحوّلات الجسد وتشوّهه وتوظف الألم كوسيلة للتعبير عن التحولات النفسية والهوية. كما تركّز أعمالها على شخصيات نسائية تمرّ بتحولات عنيفة، سواء نفسية أو جسدية، وهي تقول إن أفلامها ليست رعبًا لأجل الرعب فقط، بل تسعى لطرح أسئلة فلسفية عن الهوية والمجتمع وما تعتبره أمرا طبيعيا تتجاهل الشعوب الحديث عنه.

وينافس المصري طارق صالح بفيلمهنسور الجمهورية” ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان، وهو فيلم ينتقد تشابك السلطة السياسية مع الفن ويسلط الضوء على مدى تدخل الأنظمة الحاكمة في هذا القطاع.

وكانت لجنة التحكيم برئاسة جولييت بينوش قد اكتشفت في السابق “نسور الجمهورية” للمخرج طارق صالح. وفي رصيد هذا المخرج المولود لأب سويدي وأم مصرية، أفلام لافتة تقدّم نظرة نقدية للمجتمع المصري، من بينها “حادث النيل هيلتون” و”ولد من الجنة” الذي نال عنه جائزة السيناريو في عام 2022.

مواضيع جريئة يقدمها مخرجون شباب برؤى حالمة بمستقبل أفضل لأوطانهم وللبشرية تكشف مدى انفتاح المهرجان على التجديد

ويتعاون صالح مجددا في هذا الفيلم مع ممثله المفضل فارس فارس الذي يؤدي دور نجم مصري يُجبر على المشاركة في فيلم يتم تكليفه به من أعلى السلطات في البلاد، ليجد نفسه منغمسا في دوائر السلطة، ومتورطا في شبكة من العلاقات المعقدة، بما في ذلك علاقة غرامية مع دنيا، زوجة الجنرال المشرف على الفيلم، التي تُجسدها الممثلة الفرنسية – الجزائرية لينا خضري. يُضاف إلى ذلك ظهور الممثل المصري عمرو واكد في دور محوري.

وينظر إلى هذا الفيلم على أنه تكملة لمسار المخرج طارق صالح الفني الذي يتسم بالجرأة والطرح النقدي للسلطة والمجتمع. ففي “حادث النيل هيلتون” تناول قضية فساد في جهاز الشرطة، بينما في “ولد من الجنة” سلط الضوء على الصراعات داخل مؤسسة الأزهر الدينية. أما في “نسور الجمهورية” فيستعرض العلاقة بين الفن والسلطة في مصر الحديثة، محاولا إثارة نقاشات واسعة حول حرية التعبير وعلاقة الفن بالسلطة في العالم العربي.

ومع بلوغ منتصف المسابقة التي شهدت عددا كبيرا من الوافدين الجدد وصناع الأفلام الشباب، لا تزال المنافسة مفتوحة.

وقد أثبتت الممثلة الفرنسية حفصية حرزي البالغة من العمر 38 عاما موهبتها كمخرجة من خلال “لا بوتيت ديرنيير” (La Petite Derniere)، وهو فيلم رومانسي متقن.

وفي أول مشاركة له في المنافسة أذهل المخرج الفرنسي – الإسباني أوليفر لاكس (43 عاما) المهرجان عندما أدخل سيرجي لوبيز في عالم الحفلات الصاخبة في الصحراء المغربية (فيلم سيرات)، في حين قدمت المخرجة الألمانية المغمورة ماشا شيلينسكي (41 عاما) من خلال فيلم “ساوند أوف فالينغ” فيلما أشبه بلوحة انطباعية عن الصدمات التي تنتقل من الأمهات إلى البنات عبر الأجيال.

وعلى سلالم المهرجان انتقل المشاركون إلى أجواء نيويورك مع فريق “هايست تو لويست” (Highest 2 Lowest) الذي يُعرض خارج المنافسة، ويعاود فيه السينمائي الأميركي سبايك لي التعاون مع نجمه الممثل دينزل واشنطن، إلى جانب نجم الراب آيساب روكي، شريك حياة المغنية ريهانا.

وبعد مرور هؤلاء الأميركيين على السجادة الحمراء، أطلت الممثلة الفرنسية – الإيرانية غلشيفته فراهاني والفرنسي – الجزائري طاهر رحيم، بطلا فيلم جوليا دوكورنو.

وكانت روح الشباب حاضرة في المهرجان من خلال المخرج الأميركي ريتشارد لينكليتر الذي أعاد ضخ روح جديدة لأعمال جان لوك غودار والأتراك الشباب من “الموجة الجديدة”.

وسينتهي السباق للفوز بجائزة السعفة الذهبية السبت. ولا يزال يُنتظر عرض أفلام للمخرجين الإيرانيين جعفر بناهي وسعيد رستائي، بالإضافة إلى فيلم “Jeunes meres” للأخوين البلجيكيين جان بيار ولوك داردين، وهما من المخضرمين في السينما الاجتماعية وفي رصيدهما جائزة السعفة الذهبية مرتين.

 

العرب اللندنية في

20.05.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004