أفلام الشباب تضخ دماء جديدة في مهرجان كان
المصري طارق صالح ينافس بفيلمه "نسور الجمهورية" ضمن
المسابقة الرسمية للمهرجان.
كان (فرنسا)
- يشهد
مهرجان كان السينمائي منذ انطلاقه في الثالث عشر من الشهر الجاري موجة
تغيير مدفوعة بمخرجين شباب ووافدين جدد إلى القطاع، تجلت بشكل كبير الاثنين
مع عودة جوليا دوكورنو بعد أربع سنوات من فيلمها “تيتان”، فيما شهد
المهرجان عرضا لـ”نسور الجمهورية”، وهو فيلم تشويق سياسي عن مصر للمخرج
طارق صالح.
مواضيع جريئة وغير تقليدية يقدمها مخرجون شباب برؤى حالمة
بمستقبل أفضل لأوطانهم وللبشرية، تتراوح بين السياسي والاجتماعي والطبي
والثقافي وغيره، تكشف مدى انفتاح المهرجان على التجديد وسعيه ليكون منصة
أكثر تنوعًا وشمولًا، تعكس تطورات صناعة السينما العالمية، وهو الذي يستقبل
هذا العام 2909 أفلام من 156 دولة، ويفسح مجالا أكبر للمخرجات النساء
للمشاركة في المسابقة الرسمية.
وبنيل “تيتان” السعفة الذهبية عام 2021، أصبحت دوكورنو ثاني
مخرجة في التاريخ تحصد هذه الجائزة، بعد مرور ثلاثين عاما على فوز جاين
كامبيون بها.
وتشارك المخرجة الفرنسية البالغة من العمر 41 عاما في
المهرجان هذا العام بفيلم بعنوان “ألفا”.
وأوضحت هذه المخرجة، وهي ابنة والدين طبيبين، في مقابلة مع
مجلة “فانيتي فير” أنها استلهمت عملها الجديد من وباء الإيدز في ثمانينات
القرن العشرين. وقالت إن الفيلم يعكس “تفكيرا بشأن كيفية انتقال الخوف
والتأثير الذي أحدثه ذلك على جيلي.”
وبحسب المعلومات النادرة التي تسربت عن الفيلم، فإنه يروي
قصة الفتاة ألفا البالغة 13 عاما، وتؤدي دورها الممثلة الجديدة ميليسا
بوروس.
ويلعب الممثل الفرنسي – الجزائري طاهر رحيم دور عمها الذي
يصاب بفايروس غامض يحنّط ضحاياه. ويُعرف هذا الممثل بحبه الكبير للتحول على
الشاشة من
“Designe coupable”،
الذي لعب فيه دور سجين في غوانتانامو، إلى
“Monsieur Aznavour”
عن المغني الراحل شارل أزنافور، وأيضا بانغماسه الكامل في أدواره. وقد فقد
الكثير من وزنه من أجل دوره في الفيلم.
وتؤدي الفرنسية – الإيرانية غلشيفته فراهاني دور الأم
العزباء لألفا، وهي طبيبة تعالج المرضى المصابين بأمراض قاتلة. وسبق
للممثلة الإيرانية المنفية في فرنسا أن نافست في مهرجان كان، ولاسيما في
فيلم “باترسون” للمخرج جيم جارموش.
وتُعرف المخرجة الفرنسية دوكورنو بأسلوبها الجريء
والاستفزازي الذي يُلامس حدود الرعب والجسد والهوية. وهي أحد أبرز الأصوات
في ما يُعرف بالسينما الجسدية الحديثة
(body horror)،
وقد أثارت أفلامها ضجة نقدية وجماهيرية في العالم، حيث تعتمد على تصوير
تحوّلات الجسد وتشوّهه وتوظف الألم كوسيلة للتعبير عن التحولات النفسية
والهوية. كما تركّز أعمالها على شخصيات نسائية تمرّ بتحولات عنيفة، سواء
نفسية أو جسدية، وهي تقول إن أفلامها ليست رعبًا لأجل الرعب فقط، بل تسعى
لطرح أسئلة فلسفية عن الهوية والمجتمع وما تعتبره أمرا طبيعيا تتجاهل
الشعوب الحديث عنه.
وينافس المصري طارق صالح بفيلمه
“نسور
الجمهورية” ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان، وهو فيلم ينتقد تشابك السلطة
السياسية مع الفن ويسلط الضوء على مدى تدخل الأنظمة الحاكمة في هذا القطاع.
وكانت لجنة التحكيم برئاسة جولييت بينوش قد اكتشفت في
السابق “نسور الجمهورية” للمخرج طارق صالح. وفي رصيد هذا المخرج المولود
لأب سويدي وأم مصرية، أفلام لافتة تقدّم نظرة نقدية للمجتمع المصري، من
بينها “حادث النيل هيلتون” و”ولد من الجنة” الذي نال عنه جائزة السيناريو
في عام 2022.
مواضيع جريئة يقدمها مخرجون شباب برؤى حالمة بمستقبل أفضل
لأوطانهم وللبشرية تكشف مدى انفتاح المهرجان على التجديد
ويتعاون صالح مجددا في هذا الفيلم مع ممثله المفضل فارس
فارس الذي يؤدي دور نجم مصري يُجبر على المشاركة في فيلم يتم تكليفه به من
أعلى السلطات في البلاد، ليجد نفسه منغمسا في دوائر السلطة، ومتورطا في
شبكة من العلاقات المعقدة، بما في ذلك علاقة غرامية مع دنيا، زوجة الجنرال
المشرف على الفيلم، التي تُجسدها الممثلة الفرنسية – الجزائرية لينا خضري.
يُضاف إلى ذلك ظهور الممثل المصري عمرو واكد في دور محوري.
وينظر إلى هذا الفيلم على أنه تكملة لمسار المخرج طارق صالح
الفني الذي يتسم بالجرأة والطرح النقدي للسلطة والمجتمع. ففي “حادث النيل
هيلتون” تناول قضية فساد في جهاز الشرطة، بينما في “ولد من الجنة” سلط
الضوء على الصراعات داخل مؤسسة الأزهر الدينية. أما في “نسور الجمهورية”
فيستعرض العلاقة بين الفن والسلطة في مصر الحديثة، محاولا إثارة نقاشات
واسعة حول حرية التعبير وعلاقة الفن بالسلطة في العالم العربي.
ومع بلوغ منتصف المسابقة التي شهدت عددا كبيرا من الوافدين
الجدد وصناع الأفلام الشباب، لا تزال المنافسة مفتوحة.
وقد أثبتت الممثلة الفرنسية حفصية حرزي البالغة من العمر 38
عاما موهبتها كمخرجة من خلال “لا بوتيت ديرنيير”
(La Petite Derniere)،
وهو فيلم رومانسي متقن.
وفي أول مشاركة له في المنافسة أذهل المخرج الفرنسي –
الإسباني أوليفر لاكس (43 عاما) المهرجان عندما أدخل سيرجي لوبيز في عالم
الحفلات الصاخبة في الصحراء المغربية (فيلم سيرات)، في حين قدمت المخرجة
الألمانية المغمورة ماشا شيلينسكي (41 عاما) من خلال فيلم “ساوند أوف
فالينغ” فيلما أشبه بلوحة انطباعية عن الصدمات التي تنتقل من الأمهات إلى
البنات عبر الأجيال.
وعلى سلالم المهرجان انتقل المشاركون إلى أجواء نيويورك مع
فريق “هايست تو لويست”
(Highest 2 Lowest)
الذي يُعرض خارج المنافسة، ويعاود فيه السينمائي الأميركي سبايك لي التعاون
مع نجمه الممثل دينزل واشنطن، إلى جانب نجم الراب آيساب روكي، شريك حياة
المغنية ريهانا.
وبعد مرور هؤلاء الأميركيين على السجادة الحمراء، أطلت
الممثلة الفرنسية – الإيرانية غلشيفته فراهاني والفرنسي – الجزائري طاهر
رحيم، بطلا فيلم جوليا دوكورنو.
وكانت روح الشباب حاضرة في المهرجان من خلال المخرج
الأميركي ريتشارد لينكليتر الذي أعاد ضخ روح جديدة لأعمال جان لوك غودار
والأتراك الشباب من “الموجة الجديدة”.
وسينتهي السباق للفوز بجائزة السعفة الذهبية السبت. ولا
يزال يُنتظر عرض أفلام للمخرجين الإيرانيين جعفر بناهي وسعيد رستائي،
بالإضافة إلى فيلم
“Jeunes meres”
للأخوين البلجيكيين جان بيار ولوك داردين، وهما من المخضرمين في السينما
الاجتماعية وفي رصيدهما جائزة السعفة الذهبية مرتين. |